بأدلَّةٍ أُخرى، أو كثُرَت أدلَّتُه، أو كَثُرَت نظائِرُه = على غيرِه، وكذا يُقدَّمُ السِّياقُ الأقربُ على الأبعدِ، والمُتَّفقُ عليه على المُختلَفِ فيه، ومالا غرابةَ فيه على ما فيه غرابةٌ مِنْ أخبارِ الأُممِ السّابقةِ، وما قلَّت غرابتُه مِنها على ما كثُرَت، ونحوِ ذلك.
ومِن أمثلةِ ذلك التَّرجيحُ بالسّياقِ الأقربِ في قَولِه تعالى ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ﴾ [الرعد: ١١]، حيث قالَ: «وهذا القَولُ الذي قالَه ابنُ زيدٍ في تأويلِ هذه الآيةِ قَولٌ بعيدٌ مِنْ تأويلِ الآيةِ، مع خِلافِه أقوالَ مَنْ ذكَرنا قَولَه مِنْ أهلِ التّأويلِ؛ وذلك أنَّه جعلَ الهاءَ في قَولِه ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ﴾ [الرعد: ١١] مِنْ ذِكرِ رسولِ الله ﷺ، ولم يَجرِ له في الآيةِ التي قبلَها ولا في التي قبلَ الأُخرى ذِكرٌ، إلا أن يكونَ أرادَ أن يرُدَّها على قَولِه ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد: ٧] ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ﴾ [الرعد: ١١]. فإن كانَ أرادَ ذلك فذلك بعيدٌ لما بَيْنهما مِنْ الآياتِ بغيرِ ذِكرِ الخبرِ عن رسولِ الله ﷺ، وإذا كانَ كذلك، فكَوْنُها عائدةً على (مَنْ) التي في ﴿وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ﴾ [الرعد: ١٠] أقربُ؛ لأنَّه قبلَها، والخبرُ بعدها عَنه» (١).
والتَّرجيحُ بدلالةِ ظاهرِ السّياقِ ومُقتضى العقلِ على اللغةِ؛ لاختصاصِ السّياقِ ببيانِ المُرادِ، وقُربِ معناه مِنْ المعقولِ، ومِن أمثلتِه قَولُه عند قولِه تعالى ﴿يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾ [الأنعام: ٢٧]: «وكأنَّ معنيَّ صاحِبِ هذه المقالَةِ في قولِه هذا: ولو ترى إذ وُقِفوا على النَّارِ فقالوا: قد وُقِفْنا عليها مُكَذِّبين بآياتِ رَبِّنا كُفَّاراً، فيا ليتنا نُرَدُّ إليها فنُوقَفَ عليها غيرَ مُكَذِّبين بآياتِ رَبِّنا، ولا كُفَّاراً. وهذا تأويلٌ يدفعُه ظاهِرُ التَّنزيلِ؛ وذلك