للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ٧٣، ٨٥]، وقولِ موسى وهارون لفرعون: ﴿قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ﴾ [طه: ٤٧]، وقولِ موسى : ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: ٣٠].

وهو المنهجُ الذي أمرَ الله رسولَه محمداً وكُلَّ مَنْ تبعَه بالسَّيرِ عليه؛ فقالَ سبحانه ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف: ١٠٨]؛ أي: على علمٍ ويقينٍ، وحُجَّةٍ واضحةٍ (١). قالَ السَّمعاني (ت: ٤٨٩): «والبصيرةُ هي: المعرفةُ التي يُمَيَّز بها بين الحقِّ والباطلِ» (٢).

وقد دَلَّ العقلُ والنَّظرُ الصَّحيحُ كذلك على لزومِ الاستدلالِ في مقامِ التَّقريرِ أو المناظرةِ، ومِن ثَمَّ كانَ مِنْ أصولِ البحثِ والجدلِ قولُهم: «إن كنت مدَّعياً فالدَّليلُ، أو مستدلاً فالصِّحَّةُ» (٣)؛ فالدَّليلُ شرطٌ لِصِحَّةِ الدَّعوى، وصِحَّةُ الدَّليلِ شرطٌ لقبولِه. وحيثما خَلَت المناظرةُ عن الدَّليلِ صارت مُخاصَمَةً مذمومةً، باعثُها الكِبْرُ والهوى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [غافر: ٥٦].

فإذا كانَ ذلك المنهجُ الشرعيُّ، والأصلُ العقليُّ العلميُّ لازماً لإثباتِ أيِّ قضيةٍ ودعوى؛ فإنَّه في مقامِ بيانِ مُرادِ الله تعالى مِنْ كلامِه ألزَمُ وأوجبُ؛ لأنَّ الخبرَ عن الله ليس كالخبرِ عن غيرِه، والدعوى عن الله جليلةٌ عظيمةٌ ما لم تكُنْ عن بَيِّنةٍ وبرهانٍ: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا


(١) ينظر: الكشاف ٢/ ٤٨٩، وتفسير ابن كثير ٨/ ٩٢، وجامع البيان، للإيجي ٢/ ٢٥٣.
(٢) تفسيره ٣/ ٧٢، ومثله عند البغوي في معالم التنزيل ٤/ ٢٨٤.
(٣) آداب البحث والمناظرة (ص: ١٩٠، ٢٦١ - ٢٦٣).

<<  <   >  >>