للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يوجِبُه المعنى» (١)، وقالَ الواحدي (ت: ٤٦٨): «وكذلك آياتُ القرآنِ التي فسَّرها الصَّحابةُ والتّابعون، إنَّما فسَّروها بذكرِ معناها المقصودِ؛ كقولِه تعالى ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾ [البقرة: ٢٠٦]، قالَ قتادةُ: «إذا قيلَ له: مهْلاً مهْلاً. ازدادَ إقداماً على المعصيةِ»، فمِن أينَ لك أن تعرفَ هذا المعنى مِنْ لفظِ الآيةِ إلا بعدَ الجُهد، وطولِ التفَكُّرِ» (٢)، وقالَ ابنُ تيمية (ت: ٧٢٨) عن تفسيرٍ للحسن (ت: ١١٠): «فَبَيَّنَ المعنى المُرادَ وإن لم يَتكَلَّم على اللفظِ؛ كعَادةِ السَّلفِ في اختصارِ الكلامِ مع البَلاغَة وفهمِ المعنى» (٣)؛ وقد كانَ ذلك مِنهم لأمورٍ:

أوَّلُها: أنَّ بيانَ المرادَ مِنْ معاني القرآنِ ألزَمُ وأولى مِنْ بيانِ لُغَتِه وحدودِ ألفاظِه، وذلك راجعٌ إلى الغايةِ مِنْ إنزالِ القرآنِ: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤]، ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: ٢٩].

ثانيها: أنَّ ذلك مِنْ سَنَنِ العربِ في كلامِها، كما قالَ الشَّافعيُّ (ت: ٢٠٤) عن العرَبِ: «وتَكَلَّمُ بالشَّيءِ تُعَرِّفُه بالمعنى دونَ الإيضاحِ باللفظِ، كما تُعَرِّفُ الإشارَةُ، ثُمَّ يكون هذا عندها مِنْ أعلى كلامِها؛ لانفِرادِ أهلِ عِلمِها به، دون أهلِ جَهالَتِها» (٤).

وهو أيضاً مِنْ شأنِها في الاعتناءِ بالمعاني في القَصدِ الأوَّلِ، ثُمَّ الألفاظِ، قالَ ابنُ جِنّي (ت: ٣٩٢): «العربُ -فيما أخذْناه عنها، وعرَفْناه


(١) معاني القرآن ١/ ٧٧.
(٢) البسيط ١/ ٤١٤.
(٣) تفسير آياتٍ أشكلَت ١/ ١٤٨.
(٤) الرِّسالة (ص: ٥٢).

<<  <   >  >>