للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنْ تصرُّفِ مذاهبِها- عنايتُها بمعانيها أقوى مِنْ عنايتِها بألفاظِها» (١)، وقالَ الشّاطبيُّ (ت: ٧٩٠): «إنَّ العرَبَ إنَّمَا كانَت عِنَايتُها بالمعَاني، وإنَّمَا أصلحَت الألفاظَ مِنْ أجلِها، وهذا الأصلُ معلومٌ عند أهلِ العربيَّةِ، فاللَّفظُ إنَّما هو وسيلةٌ إلى تحصيلِ المعنى الْمُرادِ، والمعنى هو المقصودُ؛ ولَا أيْضاً كُلُّ المعاني، فإنَّ المعنى الإفراديَّ قد لا يُعْبَأُ به إذا كانَ المعنى التَّركيبيُّ مفهُوماً دُونَه، كما لمْ يعبَأْ ذُو الرُّمَّةِ ب (بَائِسٍ) ولا (يَابِسٍ) (٢)؛ اتِّكَالاً مِنه على أنَّ حَاصِلَ المعنى مَفهوم» (٣).

ثالثُها: أنَّ البيانَ التركيبيَّ أوضَحُ، وأبيَنُ عن المُرادِ، «والمعنى المفهومُ مِنْ الحَرفِ حالَ التَّركيبِ أتمُّ مِمَّا يُفهَمُ عند الانفرادِ» (٤)، بل قد يُستَغنى بمعرفةِ المعنى التَّركيبيِّ عن العلمِ بالمعنى الإفراديِّ، قالَ الشّاطبيُّ (ت: ٧٩٠): «ويتبيَّنُ ذلك في مسألةِ عُمَرَ؛ وذلك أنَّه لمَّا قرأَ ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾ [عبس: ٣١]، توقَّفَ في معنى (الأبِّ) (٥)، وهو معنى إفراديٌّ


(١) الخصائص ١/ ١٨٢. وينظر: ١/ ٢٣٧.
(٢) قالَ الشاطبيُّ (ت: ٧٩٠) قبل ذلك ٢/ ١٣٣: «حكى ابْنُ جِنِّي عَنْ عيسى بن عمر، وحُكِيَ عن غيرِه أيضاً، قَالَ: سمعتُ ذَا الرُّمَّةِ يُنشِد:
وَظَاهِرْ لَهَا مِنْ يَابِسِ الشَّخْتِ وَاسْتَعِنْ … عَلَيْهَا الصَّبَا وَاجْعَلْ يَدَيْكَ لها سترا
فقلت: أنشدتني: (من بائس)! فقالَ: (يابس) و (بائس) وَاحِدٌ. فأنت ترى ذا الرُّمَّةِ لم يَعْبَأْ بالاختِلافِ بين البُؤْسِ واليُبْسِ؛ لمَّا كان معنى البيتِ قائِماً على الوَجْهَيْن، وصَوَاباً على كِلْتا الطَّرِيقتَيْن، وقد قالَ في روايَةِ أبي العَبَّاسِ الأحوَلِ: «البُؤْسُ واليُبْسُ وَاحِد»، يَعْنِي: بِحَسَبِ قَصْدِ الكلام لا بحسب تفسير اللغة».
(٣) الموافقات ٢/ ١٣٨. وينظر: ٤/ ٢٦١. وقد توَسَّع الطوفيُّ (ت: ٧١٦) في بيان أنّ اللفظَ غيرَ مقصودٍ لذاتِه، بل المعنى، وذلك من عِدَّةِ وجوه. ينظر: الإكسير ١/ ٥٦.
(٤) الكُلِّيَّات (ص: ٩٩٧).
(٥) ينظر: جامع البيان ٢٤/ ١٢٠.

<<  <   >  >>