للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يقدحُ عدمُ العلمِ به في علمِ المعنى التركيبيِّ في الآيةِ؛ إذ هو مفهومٌ مِنْ حيثُ أخبرَ اللهُ تعالى في شأنِ طعامِ الإنسانِ؛ أنَّه أنزلَ مِنْ السماءِ ماءً، فأخرجَ به أصنافاً كثيرةً ممّا هو مِنْ طعامِ الإنسانِ مُباشرةً؛ كالحبِّ، والعنبِ، والزيتونِ، والنَّخلِ. وممّا هو مِنْ طعامِه بواسطةٍ؛ مما هو مرعىً للأنعامِ على الجُملةِ. فبقيَ التَّفصيلُ في كلِّ فردٍ مِنْ تلك الأفرادِ فضلاً، فلا على الإنسانِ أن لا يعرفَه، فمِن هذا الوجهِ -والله أعلم- عُدَّ البحثُ عن معنى (الأبِّ) مِنْ التكلُّفِ، وإلَّا فلو توقَّفَ عليه فهمُ المعنى التَّركيبيِّ مِنْ جهتِهِ لَمَا كانَ مِنْ التكلُّفِ بل مِنْ المطلوبِ علمُهُ؛ لقولِه ﴿لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ [ص: ٢٩]» (١).

رابعُها: أنَّهم أهلُ اللسانِ الذي نزل به القرآنُ، والحاجَةُ إلى بيانِ حدودِ معاني ألفاظِه في وقتِهم أقلُّ مِنْ الحاجةِ إلى بيانِ المُرادِ بها، ثُمَّ تنزيلِها على الوقائعِ والأحداثِ، قالَ الشّاطبيُّ (ت: ٧٩٠): «ومَا يُذكَر في التَّفسيرِ إنَّما يحملونه -أي السَّلفُ- على ما يشمَلُه الموضِعُ بحَسبِ الحاجةِ الحاضِرةِ، لا بحَسبِ ما يقتضيه اللفظُ لُغَةً، وهكذا ينبغي أن تُفهَمَ أقوالُ المفسِّرين المُتقَدِّمين، وهو الأولى لمناصبِهم في العلمِ، ومراتبِهم في فهمِ الكتابِ والسُّنَّةِ» (٢).

وقد حَصَرَ الزَّركشيُّ (ت: ٧٩٤) وجوهَ النظرِ في التراكيبِ القرآنيَّةِ في أربعِ جهاتٍ:


(١) الموافقات ١/ ٥٧.
(٢) الاعتصام (ص: ٧٨). وينظر: المحرر الوجيز ١/ ١٤٥ - ١٤٦.

<<  <   >  >>