للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي أختارهُ ما ذهبَ إليه أبو عبدِ الله الشافعيُّ -رحمه الله تعالى (١) -: أن (٢) التسميةَ غيرُ واجبة؛ فإن آية الأنعام مَخْصوصَةٌ بما ذُبح للأصنامِ، وذلك أن الجاهليةَ كانتْ تعظِّم آلهتَها، فتُهدي إليها، وتتقربُ إليها بالذبحِ عليها، وفعلُها هذا يتضمَّن ثلاثةَ أمورٍ قبيحةٍ شنيعةٍ:

أحدها: الإهلالُ لغير اللهِ تعالى.

وثانيها: ذبحُها تعظيمًا لآلهتها.

وثالثها: تركُ ذكرِ اسم اللهِ عليها، وتعويضُه باسمِ آلهتها.

ولا شكَّ أن قربانَ الإسلامِ بعكسِ ذلك، في هذهِ الأمورِ كلِّها، فحرم الله سبحانه قُربانَ الجاهليةِ، وكرر ذلكَ علينا، وعلقَ التحريمَ بكلِّ فردٍ من هذهِ الأمورِ الثلاثة التي تضمَّنها فعلُهم القبيحُ؛ تنبيهًا على اشتمالها على أنواعِ القبائحِ، فعلقه تارةً بالإهلالِ لغيرِ الله تعالى، وتارةً علَّقه بحقيقةِ الذبحِ على النُّصُب، وتارةً علَّقه بعدمِ ذكرِ الله تعالى، فقال: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: ١٢١].

فإن قلت: فهلْ تجدُ في القرآن دليلًا على هذا؟

قلت: بل أدلةً:

أحدها: الطلبُ من الله سبحانه لأهلِ الشركِ، وحَثُّه إياهُمْ على الأكلِ مِمَّا ذُكِرَ اسمُ الله عليه، فقال: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} [الأنعام: ١١٨] حتى جعلَ ذلكَ شرطًا في الإيمانِ.

ثانيها: ذَمُّ الله سبحانه لهم على تركِ الأكلِ مما ذُكر اسمُ الله عليه،


(١) انظر: "الأم" للإمام الشافعي (٢/ ٢٣١)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (١٥/ ١٠)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (٥/ ٢٥٠).
(٢) في "ب": "بأن".

<<  <  ج: ص:  >  >>