للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في تحقيقِ السرقةِ ووقوعِ اسمِ السارقِ على من أخذَ من هذا المكان؛ فإن السرقةَ أخذُ المالِ على حينِ خُفْيَةٍ (١) منَ الأعين، مع قيامِ ملاحَظَتِها، أو ما يقومُ مقامَها من الأحرازِ الموجِبَةِ للاستِخْفاء في العادة، ومنه قولهم: فلان يسارقُ النظرَ إلى فلان، إذا راقَبَ غَفْلَتَهُ لينظر إليه، فالحِرْزُ رُكْنٌ في السرقةِ لا تتصور إلَّا به، لا شرطٌ في وجوبِ القطعِ، ولهذا لا يقال لمن خان أمانته: سارق، وإن كانَ أخذه خفيةً؛ لعدمِ الحرزِ منه، ولا يقال لمن غصب أو اختلس: سارق، وإن أخذه من الحرز؛ لعدم الاستخفاء.

ويدلُّ لما قلتُه ما روى أبو الزبير، عن جابرٍ -رضي الله تعالى عنه- قال: أضافَ رجلٌ رجلاً، فأنزلَهُ في مشربةٍ له، فوجدَ متاعاً له، فاختانَهُ، فأتى به أبا بكرٍ، فقال: خَلِّ عنه، فليسَ بسارقٍ، وإنما هي أمانةٌ اختانَها (٢).

ولو كانَ الأمر على ما قالَ أهلُ الظاهرِ مُطْلَقاً، لوجبَ القَطْعُ على الخائِنِ، ولم يقلْ بهذا أحدٌ من أهلِ العلمِ، وإنَّما اختلفوا في فروعِ المسائل في تفاصيل الحرز.

وذلك كما اختلفوا في النَّبَّاشِ.

فقال مالكٌ والشافعيُّ: هو سارقٌ يجبُ عليهِ القَطْعُ (٣)؛ لوجودِ معنى السرقة، وهو أخذُ المالِ خفيةً من حِرْزٍ له في العرف والعادة.

وقال أبو حنيفةَ والثوريُّ: ليسَ بسارقٍ، فلا قطعَ عليه (٤)؛ لأنه أخذَ


(١) في "ب": "غفلة".
(٢) قال ابن الملقن في "خلاصة البدر المنير" (٢/ ٣١٦): "غريب"، وقال ابن حجر في "تلخيص الحبير" (٤/ ٧٠): "لم أجده".
(٣) انظر: "المدونة الكبرى" (١٦/ ٢٨٠)، و"الأم" للإمام الشافعي (٦/ ١٤٩).
(٤) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (٤/ ٦٧)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (٧/ ٥٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>