للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في ذمهم: {يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [المائدة: ٤١].

قال المفسِّرون: إنَّ رَجُلاً وامرأةً من أشرافِ أهلِ خَيْبَرَ زَنَيا، فكان حَدُّهُما الرَّجْمَ، فكرهتِ اليهودُ رَجْمَهُما؛ لشرفِهما، فبعثوا الزانيين إلى بني قُرَيْظَةَ ليسألوا مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم - عن قضائِهِ في الزانيين إذا أَحْصَنا، ما حَدُّهُما؟ وقالوا: إن أفتاكُمْ بالجَلْدِ فَخُذوهُ، واجْلِدوا الزانيَيْنِ، وإن أفتاكُمْ بالرَّجْمِ، فلا تَعْمَلوا به، فذلكَ قولُه تعالى: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} (١) [المائدة: ٤١].

وهذا القولُ حَسَنٌ قَوِيٌّ، وهو يُبْطِلُ تَفْريعَ الشافعيَّةِ، فإنَّهم قالوا - على قول التخيير -: إنه إذا حكمَ بينَهم، لم يلزمْهُم حكمُه، وإن دعا أحدُهما الحاكمَ ليحكُمَ بينَهما، لم يجبْ على الآخَرِ الحُضورُ (٢).

وهذا التفريعُ ضعيفٌ بعيدٌ من تحقيقِ الشافعيةِ (٣)؛ فإن التخييرَ من الله سبحانه للإمام، لا لَهُم، فما كانَ اللهُ -تبارك وتعالى- ليُخَيِّرَهُمْ في حكمٍ، ولِما ثبتَ من فعلِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

* فإن قيل: بِمَ حكمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فيهم؟

قلنا: اختلفتْ جواباتُ العلماءِ في ذلك، وهو مَبْنِيٌّ على الخِلاف الذي قدمتُه في سورةِ النساء، هل يُشْتَرَطُ الإسلامُ في الرَّجْمِ أو لا؟


(١) رواه بن جرير الطبري في "تفسيره" (٦/ ٢٣٧)، والحميدي في "مسنده" (١٢٩٤)، عن جابر بن عبد الله. وانظر: "تخريج أحاديث الكشاف" للزيلعي (١/ ٣٩٥).
(٢) انظر: "المهذب" للشيرازي (٢/ ٢٥٦).
(٣) انظر: "شرح البخاري" لابن بطال (٨/ ٤٧٥)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (٩/ ٣٠٧)، و"روضة الطالبين" للنووي (٧/ ١٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>