للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* فإن قال: فهلِ الأفضلُ الحِنْثُ والتَّكفيرُ، أو البِرُّ بِمُقْتَضى اليمين؟

قلنا: في ذلك تفصيلٌ:

فإن كانَ الحِلْفُ على فعلِ واجب، أو تركِ معصية، فالبرُّ واجبٌ، والحِنْثُ حَرامٌ، وعَكْسُهُ لا يَخْفى.

وإن كان الحَلْفُ على فعلِ مُباح (١)، أو تركِ مكروهٍ، فالِبرّ مستحبّ، والحِنْثُ مكروهٌ، وعكسُه لا يَخْفى (٢).

وإن كانَ الحلفُ على فعلِ مباحٍ أو تركِه، فثلاثةُ أَوْجُهٍ للشافعيَّةِ، أصحُّها: البرُّ أفضلُ؛ لقوله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: ٨٩]، وقيل: عَكْسُه، وقيل: هُما سواء، هكذا فَصَّلوه (٣).

وقال بعضُ الفقهاءِ في المُباح: يجبُ النظرُ إليه، فإن كانَ فيه ضَرَرٌ وجبَ الحِنْثُ عليه، وحَرُمَ عليه البرّ، وإن كانَ فيه نفع استُحِبَّ له الحِنْثُ، وإليه الإشارة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لأَنْ يلج أَحَدُكُمْ بيمينه في أهله، آثمُ له عِندَ اللهِ منْ أنْ يُعطِيَ كَفارَتَهُ التي فَرَضَ الله" (٤)، وهذا عندَ التحقيقِ راجعٌ إلى قسمِ الواجِبِ المستحَب، والله أعلم.

* ثم أمر اللهُ سبحانَهُ أن نحفَظَ أَيْماننا.

فيحتمل أن يكونَ أرادَ الكَفَّ عن كثْرَةِ اليمينِ، حتى لا يعرضها للحِنْثِ.


(١) في "أ": "مستحب".
(٢) انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (٢/ ١٥٥)، و"فتح الباري" لابن حجر (١١/ ٥٢٠).
(٣) انظر: "المغني" لابن قدامة (٩/ ٣٨٨)، و "فتح الباري" لابن حجر (١١/ ٥٢١).
(٤) رواه البخاري (٦٢٥٠)، كتاب: الأيمان والنذور، في أوله، ومسلم (١٦٥٥)، كتاب: الأيمان، باب: النهي عن الإصرار على اليمين، عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>