للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهم من الدليلِ أنَّ الحِنْثَ قد يكونُ بغيرِ فِغلِ الحالِفِ، كما لو قالَ: واللهِ لا دَخَلَ زَيدٌ الدارَ.

وبظاهرِ الآيةِ تمسَّكَ مَنْ جَوَّزَ تقديمَ الكَفّارَةِ على الحِنْثِ، وهمُ الجمهورُ، ومنهمُ الشافعيّ ومالكٌ في أَحَدِ قولَيْه (١)، ويُروى عن أَرْبَعَةَ عَشَرَ صحابِيًّا (٢).

وقالَ المُخالفونَ لهم: معناهُ: إذا حَلَفْتُم وحَنِثْتُم؛ لأن الكفارةَ شُرِعَتْ لِدَفْعِ الإثمِ، ومعَ عَدَمِ الحِنْثِ لا إثْمَ، فَلا تكفير (٣).

وقدِ اختلفَتْ رواياتُ الحَديثِ في ذلك، فروي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني واللهِ -إن شاءَ اللهُ- لا أَخلِفُ على يَمينٍ، ثُمَّ أَرى خَيْراً مِنْها، إلَّا كَفّرتُ عن يَميني، وأتيتَ الذي هُوَ خَيْرٌ" (٤)، وقال: "مَنْ حَلَفَ على يَمينٍ، فرأى غيرَها خَيْراً منها، فَلْيَأتِ الذي هُو خَيْرٌ، ولْيُكَفّرْ عن يَمينِه" (٥).

والأخذُ بتقديمِ الحِنْثِ أَحْوَطُ، وبِتَقديمِ الكَفّارَةِ أحسَنُ؛ للعملٍ بالحديثين، وتركِ الإبطالِ لأَحَدِهِما؛ فإنَّ مَنْ جَوَّزَ تقديمَ الكّفارةِ، جَوَّز تأخيرَها، بل يَسْتَحِبُّهُ أيضاً، ومن أَوْجَبَ تأخيرَها، لا يُجَوِّزُ تقديمَها.


(١) انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (٢/ ١٦٢)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (١٥/ ٢٩١).
(٢) انظر: "تفسر القرطبي" (٦/ ٢٥٧)، و"شرح مسلم" للنووي (١١/ ١٠٩).
(٣) انظر: "الهداية شرح البداية" للمرغيناني (٢/ ٧٥)، و"شرح فتح القدير" لابن الهمام (٥/ ٨٣).
(٤) رواه البخاري (٢٩٦٤)، كتاب: الخمس، باب: ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين، ومسلم (١٦٤٩)، كتاب: الأيمان، باب: ندب من حلف يميناً فرأى غيرها خيراً منها، عن أبي موسى الأشعري.
(٥) رواه مسلم (١٦٥٠)، كتاب: الأيمان، باب: ندب من حلف يميناً فرأى غيرها خيراً منها، عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>