للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعاذٌ إلى اليَمَنِ، فقالَ: يا رسول الله! إن بِها شرابَيْنِ يُصنَعان من البُرِّ والشَّعيرِ، أَحَدُهما يُقالُ له: المِزْرُ، والآخرُ يُقالُ له: البِتْعُ، فما يشربُ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اشربا ولا تسكرا" (١).

قالوا: ولأن الله سبحانَه نَصَّ على العِلَّةِ المُوجِبَةِ للتَّحْريمِ، وهي كَوْنُها تُوقعُ العَداوةَ والبَغْضاء وتَصُدُّ عن ذِكْرِ اللهِ وعَنِ الصَّلاةِ، وهذهِ العِلَّةُ لا تُوجَد إلا في القدرِ المُسْكِرِ منَ الخَمرِ والنَّبيذِ، ولكن الإجْماعَ انعقدَ على تحريمِ القليلِ منَ الخَمرِ، فبقيَ النَّبيذُ على مُقْتَضى العِلةِ (٢).

وقال الحِجازيُون: السَّبَبُ المُوجِبُ لِهذِهِ العِلَّةِ هو حُدوثُ الشدَّةِ المُطْرِبَةِ، وهي موجودةٌ في النبيذِ، فالواجبُ أن يُلْحَقَ بالخَمرِ ما وُجِدَتْ عِلَّتُه فيه، كما ذلكَ سنةُ القِياس (٣).

* ثم سَنَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الحَدَّ على شارِبِها (٤)، فجَلَدَ شاربَ الخَمرِ أربعينَ، أو نَحْوَها بالنِّعالِ وأطرافِ الثيابِ، وجلدَهُ أبو بَكْرِ وعُمَرُ، ثم استقرَّ تحديدُ جلدِه بثمانينَ جَلْدَةَ في زَمَنِ عمرَ -رضيَ اللهُ تعالى عنه (٥) -.

* وأما المَيْسِرُ، وهو القِمار، فقد تقدَّمَ ذكرُه في أولِ "سورةِ المائِدَة"، وأنه من عَمَلِ الجاهليَّةِ، ويلحقُ به كُلُّ قِمار في مَعْناه.

وما أقبحَ وأشنعَ قولَ صاحبِ "عين المعاني" حيث قال: وقريب منه


(١) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٤/ ٢٢٠)، والبزار في "مسنده" (٣١٥٢).
(٢) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (٤/ ١٢٨)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (١/ ٣٤٦).
(٣) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١٣/ ٣٩٨).
(٤) في "ب": "شاربه".
(٥) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>