للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلتُ: أطلقَ كثيرٌ من مُصَنِّفي الشافعيةِ القولَ عن الشافعي أنه يقولُ بإباحةِ قتلِها، وأنه ألحقَها بالفواسِقِ، وأنه جعلَ العِلَّةَ في إباحَةِ الخَمسِ الفواسِقِ تحريمَ أَكْلِها، فأباحِ للمُحْرِمِ قَتْلَ ما لا يَحِل أكلُه.

وهذا لا يَصحُّ عن أبي عبدِ الله، ولا يُظَنُّ به أنه يترُكُ العِلَّةَ التي أشارَ إليها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهيَ الفِسْقُ، ويتعلَّلُ (١) بِعِلَلٍ أخرى غيرِها، ولكنهم وَهِموا عليه لَمَّا أفتى بتحريم قتلِ الصيدِ المأكولِ، ظَنَّوا أنه يُبيحُ قتلَ غيرِ المأكول مُطْلَقاً، وربّما أوْهمَهُ كلامُه في كتاب "الأم" (٢)، وليس كذلكَ.

بلِ الآيةُ تقتضي تَحْريمَ قتلِ المأكولِ، ولا تَقْضي بتحليلِ قتلِ غيرِ المأكول.

ولمّا بينَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الفواسِقَ يُقْتَلْنَ في الحِلِّ والحَرَمِ، ألحقَ بهنَّ ما كان في معناهُنَّ، ويبقى الباقي على مُقْتَضى الدليل.

وربما أرشدَ كلامُ الشافعيِّ في مَوْضِعٍ آخرَ من "الأم" إلى مثلِ هذا (٣).

* فإن قلتَ: فما مَعْنى قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ١]؟

قلنا: حُرُمٌ جَمعُ حَرام، يقال: رجلٌ حَرامٌ، ورِجالٌ حُرُمٌ، مثل قَذال (٤) وقُذُل، والحَرامُ هو المُحْرِمُ الداخِلُ في حُرَمة لا تُهْتكُ، ويقعُ ذلك على الداخلِ في النُّسُكِ، وعلى الداخِلِ في الحَرَمِ، وعلى الداخلِ في الشهرِ


(١) "يتعلل" ليس في "أ".
(٢) انظر: "الأم" للإمام الشافعي (٢/ ٢٤٤).
(٣) انظر مثلاً: "الأم" للإمام الشافعي (٢/ ١٨٢ - ٢٤٧)، (٤/ ١٥١).
(٤) قذال: القَذَالُ، كسحاب: جماعُ مؤخّر الرأس، ومَعقِد العِذار من الفرس خلف الناصية جمعه: قُذُل، وأقذِلَةَ. "القاموس" (مادة: قذل) (ص: ٩٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>