للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الحَرَمِ، لا جَزاءَ عليه، وإنْ وإنَ مُخْطِئاً مأثوماً (١).

فإن قلتَ: فما الوجهُ الذي من أجلِه أوجبَ فقهاءُ الأمصارِ الجزاءَ؟

قلت: من قالَ من الفقهاءِ بِحَمل اللفظِ المُشْتَرَكِ على معانيهِ، أوجبَ فيهِ الجزاءَ بالآية، ومن لم يقلْ بعمومِ المُشْتَرَكِ، أوجَبَهُ بالقِياس على المُحْرِم بجامِعِ النَّهْيِ عن القَتْلِ في حالتي حُرْمَةٍ.

وقد تبيَّنَ بهذا مُسْتَنَدُ الإمامِ داود؛ فإنه لا يقولُ بعموم المشترك، ولا بالقياسِ، وظهر أن قول أبي حنيفة لا مستندَ لهُ من جهةِ النظرِ؛ لأنه لا يقولُ بعمومِ المشترك أيضاً، ولا بالقياس في الكفّارات.

ولا مستندَ إلا فَتْوى الصَّحابِة بوجوب (٢) الجزاء كما يروى عن عمرَ، وعثمانَ، وابنِ عباسٍ، وابن عمر -رضي الله تعالى عنهم-، وزعم أَنَّهم حَكَموا في حَمامِ مَكَّةَ بشاةٍ، ولم يُعلَمْ لهم مُخالِفٌ (٣).

* ثم بين اللهُ سبحانَه الجَزاء فقال: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥]، فَقَيَّدَ الجَزاء بذكرِ العَمدِ، فاقتضى بمفهومه أَنَّ من قتلَه ناسِياً أو خاطِئاً لا جزاءَ عليه.

وبهذا قالَ أهلُ الظاهِرِ (٤)، وإليهِ ذهبَ الشافعيُّ في القديم، وأحمد في إحدى روايتيه (٥).


(١) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٤/ ١٤٢)، و "بداية المجتهد" لابن رشد (١/ ٢٦٢).
(٢) في "أ" "الصحابي بعموم".
(٣) انظر: "الموطأ" للإمام مالك (١/ ٤٥١)، و "الأم" للإمام الشافعي (٢/ ١٩٥)، و"المحلى" لابن حزم (٧/ ٢٣٥).
(٤) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (٤/ ٢٨٤)، و "المحلى" لابن حزم (٦/ ٤٨).
(٥) انظر: "المغني" لابن قدامة (٣/ ٢٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>