للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهلِهِما؛ لقربِ اطِّلاعِهِما على باطنِ حالِهِما، وقُوَّةِ عِلْمِهِما بِمَصالِحِهما.

روى بَكُرْ بنُ عبدِ اللهِ المُزنيُّ قال: كانَ رَجُلانِ من الأعرابِ مُحرِمَيْنِ، فحاشَ (١) أحدُهُما صيداً، فقتلَهُ الآخَرُ، فأَتيَا عُمَرَ وعَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ عَوْفٍ، فقالَ لهُ عُمَرُ: ما ترى؟ قال: شاةٌ، قال: وأنا أَرى ذلك، اذهبا واهدِيا شاةً، فلما مَضَيا قالَ أحدُهُما لصاحِبهِ: ما درى أميرُ المؤمنينَ ما يقولُ حتى سَأَلَ صاحِبَهُ! فسمعَهُ عُمَرُ، فردّهما، فقال: هل تقرأان "سورة المائدة"؟ فقالا: لا، فقرأ عليهما: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا} [المائدة: ٩٥]، ثم قال: استعنْتُ بصاحِبي هذا (٢).

* وقد اتفقوا على أنه لا بُدَّ من ذوي العدلِ.

* وإذا حكم ذوا عدل من الصحابة -رضيَ اللهُ تعالى عنهم- في مِثْلٍ، فلا يُعاد فيهِ الحُكْمُ عندَ الشافِعِيِّ؛ لأنها قضيةٌ معقولةُ المعنى حَكَمَ فيها عَدْلانِ، فوجبَ علينا تنفيذُ حُكْمِهِما واتباعُه (٣).

وقال مالِكٌ: يستأنف الحكم، وكأنه اعتقده عِبارةً غيرَ مَعقولةِ المَعْنى، فوجبَ الإتيانُ بِها عندَ وجودِ سَبَبِها، وهذا في غيرِ مَحَلِّ الإجماعِ والنَّصّ، وأما الإجماعُ والنصُّ فلا يُعاد فيه الحكمُ، قولاً واحداً (٤).


(١) حاش: حُشْنا الصَّيْدَ، حوشاً وحِياشاً، وأحَشْناه وأَحْوَشْناه: أخذناه من حواليه لنَصْرَفه إلى الحبالة، وضممناه.
وحُشتُ عليه الصيد والطين، حوشاً وحياشاً، وأحشه عليه وأحوشته عليه وأحوشته إياه، عن ثعلب: أعنته على صيدهما. "اللسان" (مادة: حوش) (٦/ ٢٩٠).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (٧/ ٤٨).
(٣) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (٤/ ٢٩١)، و"المهذب" للشيرازي (١/ ٢١٦).
(٤) انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (١/ ٢٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>