للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتأوَّلَ حديثَ أبي قَتادة بأنه لم يَصِده لأَجْلِهم؛ بدليلِ كراهتِهِم لفعله؛ حيثُ لم يناولوه سَوْطَهُ، فجعلَ حديثَ جابرٍ مُفَسِّراً للأحاديثِ (١).

فإن قلت: كان الأَوْلى أن يُجْعَلَ حديثُ أبي قتادَةَ مُفَسِّراً لحديثِ جابر؛ لأن الغالبَ ألاّ يُصادَ للرجلِ إلا بإذنِه؛ بدليلِ حديثِ أبي قَتَادَةَ؛ حيثُ لم يعتبرْ فيه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلا (٢) الأمرَ أو الإشارةَ.

قلت: هذا لَعَمري حَسَنٌ كما تقولُ، ولكن تبقى المُعارَضَةُ بينَهُ وبينَ حديثِ الصَّعبِ بنِ جَثَّامة، وإذا جُعل حديثُ جابرِ مُفَسّراً لحديثِ أبي قتادَةَ، ولحديثِ الصَّعْبِ، أَمكَنَ الجمْعُ بينَ الأحاديثِ كُلِّها، وزالَ التعارُضُ والاختلافُ، وهذا أحسنُ من ذلكَ، ولهذا اختارَ هذا المسلكَ أبو عبدِ الله الشافعيُّ، -رحمه الله-.

* فإن قلت: فهل جاءتِ الآيةُ بياناً لتحريمِ لحمِ الصيدِ، أو لتحريمِ الاصطيادِ؛ كما قاله بعضُ العلماء، أو كثير منهم؟

قلت: لا ينبغي أن يكونَ لبيانِ الاصطياد، لأن الخِطابَ مَسوقٌ لبيانِ الأكلِ، لا للاصطياد.

فإن قلتَ: فما ذلك.

قلت: وصفَ اللهُ صيدَ البحرِ وطعامَه بأنهُ متاعٌ لنا وللسَّيَّارَةِ، ثم عطفَ عليهِ صيدَ البَرّ، فلَهُ حُكْمُهُ، والاصطيادُ ليسَ بِمَتاعٍ.

ولبيانِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِعُموم هذهِ الآيةِ؛ حيثُ قال: "صيدُ البر لَكُم حَلال


(١) انظر: "اختلاف الحديث" للإمام الشافعي (ص: ٥٤٤)، و "الحاوي الكبير" للماوردي (٤/ ٣٠٥)، و"معرفة السنن والآثار" للبيهقي (٤/ ١٩٨).
(٢) "إلا" ليس في "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>