للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عيسى التِّرْمِذِيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ (١).

* إذا تقرَّرَ هذا، فقد كانَ لمشركي العربِ معَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أحوالٌ.

فمنهُمُ المُحارِبُ المُبايِنُ، ومنهمُ المُعاهِدُ المُوادِعُ، ثم المعاهِدون منهم: من نَقَضَ عَهْدَهُ، كقريشٍ وبني بكرٍ، ومنهم مَنِ استقامَ عليه؛ كبني ضَمْرَةَ وخُزاعة.

فلما أظهرَ اللهُ سبحانَه رسولَهُ - صلى الله عليه وسلم -، وفتحَ له مكةَ، أمهلَ منْ نقضَ عهدَهُ أربعةَ أشهرٍ يَسيحُ في الأرضِ، سَواءٌ كانتْ مُدَّتُهُ دونَها، أو فوقَها، ولم يؤاخذْهُ بنقضِ عهده مُعاجَلَةً، إظهاراً لقدرتهِ عليهم، ولطفاً منهُ بهم، لكي يتدبَّروا، فينظروا في عاقِبَةِ أمرِهم، وقَدَّر اللهُ سبحانه لهم أربعةَ أشهرٍ؛ لأنها مدةٌ يعتبرُ فيها العاقلُ فيفيءُ إلى طاعةِ مولاه، ولهذا ضربَها اللهُ سبحانهُ مُدَّةً في الإيلاء.

وأمر نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - وسائرَ المؤمنين بالاستقامةِ على العهدِ لِمَنِ استقامَ لهم، ولم ينقضْ منهُ شيئاً، فإن كانتْ مُدَّةُ عهدِهم قبلَ انقضاءِ الأربعةِ الأشهرِ، فلهمُ الأمانُ أيضاً في بقيةِ الأشْهُرِ بالآيةِ الأُخْرى، وإن كانتَ فوقَ الأربعةِ الأشهرِ، فلهم الأمانُ إلى انقضائها بقوله تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ}، وهذا ظاهرٌ من خِطابِ الكتاب، ومن حديثِ عَلِيٍّ -رضي الله تعالى عنه-؛ حيث قال: ومن لم يكنْ بينَه وبينَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عهدٌ، فأجلُه أربعةُ أشهرٍ، ولكنه حَرَّمَ عليهمُ الطوافَ في حالِ التَّعَرِّي، ودخولِ المسجد الحرام.


(١) رواه الترمذي (٣٠٩٢)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة التوبة، والبزار في "مسنده" (٧٨٥)، والحاكم في "المستدرك" (٤٣٧٦)، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (٤٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>