للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلْنا: هذا حديثٌ لم يَرْوِهِ عَنْ عَمْرِو ثقةٌ، والَّذي رواهُ عن عَمْرٍو، وهو ثقةٌ، لم يذكرْ فيهِ المَحْدودَ، وإن صَحَّ، فالمرادُ بهِ قبلَ أن يتوبَ؛ كما هو المرادُ بسائرِ مَنْ ذكرَ معهُ من ذَوي الغِمْرِ والخِيانَةِ.

وأمّا حُجَّةِ الشافعيِّ، فإنه قالَ: أنا سُفيانُ بنُ عيينة قال: سمعتُ الزُّهْرِيَّ يقولُ: زعمَ أهلُ العراقِ أَنَّ شهادَةَ القاذِفِ لا تجوزُ، أشهدُ لأَخْبَرَني سعيدُ بنُ المسيِّبِ أَنَّ عمرَ -رضيَ اللهُ تعالى عنه - قال لأبي بَكْرَةَ: تُبْ تُقْبَلْ شَهادَتُكَ، أو: إنْ تُبْتَ تقبلْ شَهادَتُكَ.

قال: وأخبرني مَنْ أثقُ بهِ من أهلِ المدينةِ عنِ ابنِ شهابِ عن سعيدِ بنِ المسيِّبِ: أن عُمَرَ بنَ الخَطّابِ -رضيَ اللهُ تعالى عنه - لَمَّا جَلَدَ الثلاثةَ، استتابهم، فرجع اثنان، فقبلَ شهادَتَهُما، وأبى أبو بكرةَ أنْ يرجعَ، فردَّ شهادَتَه.

قال: وبلغَني عن ابن عباسٍ -رضيَ اللهُ تعالى عنهما -: أَنَّه كانَ يجيزُ شهادةَ القاذفِ إذا تابَ.

وقال بقبولِ شهادتِه عطاءٌ، وطاوسٌ، ومجاهدٌ، والشعبيُّ (١).

* فإن قلتُم: فهل هذا الحَدُّ حَقٌّ للهِ عَزَّ وجَلَّ وللمَقْذوفِ جَميعاً، أو للمقذوفِ وَحْدَهُ؟

قلنا: اختلفَ الفقهاءُ في ذلك: فذهبَ أبو حنيفةَ، والثوريُّ، والأوزاعيُّ إلى أنه حَقٌّ للهِ تَعالى، فلا يَسْقُطُ بِعَفْوِ المقذوفِ (٢).


(١) انظر: "الأم" للأمام الشافعي (٧/ ٨٩)، و"السنن الكبرى" للبيهقي (١٠/ ١٥٢ - ١٥٣).
(٢) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (٥/ ١١٤)، و"الهداية" للمرغيناني =

<<  <  ج: ص:  >  >>