للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوجبَ عليهِ الحَدَّ، ويدلُّ على أنَّ الآيةَ الأولى كانَتْ عامَّةً في القاذفِ لزوجتِه ولغيرِها، ثم أخرج منها القاذف لزوجته، وحكي هذا عن ابنِ عباسٍ -رضيَ اللهُ تعالى عنهما -، وهذا القولُ لا يستقيمُ إلَّا على قولِ مَنْ يقولُ: إنَّ البيانَ لا يتأخَّرُ عنِ الخِطاب.

وذهبَ قومٌ من المُحَقِّقين إلى أنه بطريقِ التَّخصيصِ، وأن هذهِ الآيةَ تدلُّ على أن المُرادَ بالآيةِ الأولى القاذفُ لغيرِ زوجَتِه، وأنها منَ الخِطاب الذي يردُ عامًّا، ويُرادُ به الخاصُّ، ولهذا قالَ الشافعيُّ -رحمه اللهُ تعالى -: فيفرقُ بينَهما كما فَرَّقَ اللهُ، ويجمعُ بينَهما حيثُ جمعَ اللهُ.

ولهؤلاءِ أنْ يقولوا: إنما أوجبَ عليهِ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الحَدَّ اتِّباعاً لِعُمومِ كتابِ اللهِ تعالى، لا أنه حكمٌ قدِ استقرَّ، وذلكَ باجتهادٍ واستدلالٍ منه - صلى الله عليه وسلم -، والاجتهادُ جائزٌ لهُ، وواجبٌ عليهِ عندَ أكثرِ أهلِ العلمِ.

* وعُمومُ هذهٍ الآيةِ كعُموم الآيةِ الأولى، فيدخلُ فيها كُلُّ مَنْ كانَ يصلُح لهُ الخِطابُ من ذوي التكليف، فَيَصِحُّ اللِّعانُ من كل زوجٍ يَصِحُّ طلاقُهُ ويمينُهُ، سواءٌ كانا حُرَّيْنِ، أو عَبْدَينِ، مُسلمين أو كافرين، أو أحدُهما حُرًّا والآخرُ عبداً، أو أحدُهُما كافراً، والآخرُ مسلماً، أو أحدُهما محدوداً، والآخرُ غيرَ محدود، وبهذا قالَ مالكٌ والشافعيُّ -رحمهما الله تعالى - (١).

وذهبَ أبو حنيفةَ وأصحابُه إلى تخصيص هذا العُموم، فلا يجوزُ اللِّعانُ إلا لمسلمينِ حُرَّينِ عَدْلَينِ (٢)؛ لأن اللهَ سبحانَه وتعالى سَمّاهما شُهَداء،


(١) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (١٢/ ١٨٦)، و"القوانين الفقهية"لابن جزي (ص ١٦١)، و"المهذب" للشرازي (٢/ ١٢٤)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (١١/ ١٢).
وعن الإمام أحمد روايتان، انظر: "المغني" لابن قدامة (٨/ ٤٠).
(٢) انظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (٣/ ٢٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>