للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا يدلُّ على أن الجُناحَ باقٍ في غيرِ القواعدِ (١).

قلتُ: المرادُ بهذهِ الآيةِ النهيُ لهنَّ عن إبداءِ زينتِهِنَّ، وإباحةِ ما ظهرَ منها عندَ الحاجَةِ، فأباحَ اللهُ تَعالى لهنَّ كَشْفَها في هذهِ الحالِ للحاجةِ الداعيةِ إلى كَشْفِها؛ كما وردَ من كَشْفِها في حالةِ الإِحْرامِ والصَّلاةِ، وكما تكشفُ عندَ البيعِ والشِّراءِ وتَحَمُّلِ الشهادةِ وغيرِ ذلكَ من الأمورِ، والمرادُ بآيةِ القواعدِ كَشْفُها في حالةِ الاختيارِ، فرفعَ اللهُ سبحانَهُ الجُناحَ في هذهِ الحالةِ من القواعدِ، وأن يَسْتَعْفِفْنَ فلا يُبْدينَها خيرٌ لهنَّ، ولم يرفع الحرجَ في غيرِ القواعِدِ، ولم يزلْ عملُ الناسِ على ذلك قديماً وحديثاً في جميعِ الأمصارِ والأقطارِ، فيتسامحون للعجوزِ في كَشْفِ وَجْهِها، ولا يتسامَحون للشابَّةِ، ويرونَهُ عورة مُنْكَراً.

وقد تبينَ لكَ وجهُ الجَمْعِ بين الآيتينِ، ووَجْهُ الغَلَطِ لمنْ أباحَ النظرَ إلى وَجْهِ المرأةِ لغيرِ حاجةٍ، والسَّلَفُ كَمالكٍ، والشافعيُّ، وأبي حنيفةَ، وغيرِهم لم يتكلَّموا إلا في عَوْرَةِ الصَّلاةِ، فقالَ الشافعيُّ ومالكٌ: ما عَدَا الوَجْهَ والكفينِ (٢)، وزادَ أبو حنيفةَ القَدَمَيْن (٣)، وما أَظُنُّ أحداً منهم يُبيحُ


(١) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (٥/ ١٩٦)، و"المغني" لابن قدامة (٧/ ٧٨)، و "كشاف القناع" للبهوتي (٥/ ١٣)، و"روضة الطالبين" للنووي (٧/ ٢٤)، و"مغني المحتاج" للشربيني (٣/ ١٢٩).
(٢) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (٢/ ١٦٧)، و"روضة الطالبين" للنووي (١/ ٢٨٣)، و"مغني المحتاج" للشربيني (١/ ١٨٥)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (١/ ٨٣)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (٢/ ١٩٤)، و"المغني" لابن قدامة (١/ ٣٤٩)، و"كشاف القناع" للبهوتي (١/ ٢٢٦).
(٣) انظر: "الهداية" للمرغيناني (١/ ٤٣ - ٤٤)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (٥/ ١٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>