للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* كان المسلمونَ يخرجون إلى الغزوِ، ويدفعونَ مفاتيحَ بُيوتهم إلى الزّمنَى الذين لا يخرُجونَ، ويقولون لهم: أَخلَلْنا لكم أن تأكُلوا مِمّا فيها، فكانوا يَتَوَقَّوْنَ ذلك، ويقولون: نَخْشى ألا تكون أَنْفُسُهم بذلك طَيِّبَة، فأنزلَ اللهُ تعالى هذهِ الآيةَ يُحِلُّ لهم ذلكَ، وهذا تفسير مرويٌّ عن عائشةَ -رضيَ اللهُ تَعالى عنها، وقالَهُ ابنُ المُسَيِّبِ (١).

وأراد بقوله تعالى: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} [النور: ٦١] أي: بيوتِ أولادِكُم، فجعلَ بيوتَ أولادِهم بيوتَهم؛ لأنَّ ولدَ الرجلِ من كَسْبِه، وبقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} [النور: ٦١] الزمنَى الذين كانوا يَخْزُنون للغزاة، فيحلُّ للرجلِ أن يأكلَ من مالِ أخيهِ وقريبهِ وصديقهِ ما أُذِنَ له فيه، وما لم يُؤْذَنْ إذا علمَ أَنَّ نفسَهُ تطيبُ بذلك.

وقيل: إن المسلمين لما تَحَرَّجوا من مُؤَاكَلَةِ الأعمى والأعرج والمريضِ عندَ نُزولِ قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩]، وقالوا: إنَّ الطعامَ من أفضلِ الأموال؛ لأنه به تقومُ الهياكلُ، وإن الأعمى لا يرى أطايبَ الطعامِ، وإن الأعرجَ لا يتمكَّنُ في المجلسِ، فيهنأ بأكلِه، وإن المريضَ لا يسهلُ لهُ الأكلُ والبَلْعُ، أنزلَ اللهُ تعالى هذه الآيةَ، ويكونُ التأويلُ: ليس على مُؤاكِلِ الأَعْمى حَرَجٌ، وهذا تفسيرٌ يُروى عنِ ابنِ عباسٍ -رضيَ اللهُ تعالى عنهما- (٢).


(١) رواه أبو داود في "المراسيل" (٤٦٠)، عن سعيد بن المسيب مرسلاً، ورواه البزار في "مسنده" (٧/ ٨٣ - ٨٤ - مجمع الزوائد)، عن عائشة.
وانظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (٧/ ٢٧٤ - ٢٧٥).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (١٨/ ١٦٨)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٨/ ١٦٩)، وانظر: "الدر المنثور" (٦/ ٢٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>