للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* ثم اختلفَ هؤلاءِ في الأمرِ هلْ هوَ على التَّكرارِ، أو لا؟

فذهبَ أبو إسحاقَ الإسفرايينيُّ إلى أَنَّهُ على التكْرارِ، فتجبُ الصَّلاةُ عليهِ كُلَّما ذُكر - صلى الله عليه وسلم - (١).

وقالَ أبو بكرِ بنُ أحمدَ بنِ بكيرٍ القاضي: افترضَ اللهُ سبحانَهُ على خَلْقِه أنْ يُصلُوا على نَبيهِ ويُسَلِّموا تسليمًا، ولم يَجْعَلْ لذلكَ وقتًا معلوماً، فالواجبُ أن يُكْثِرَ المَرءُ منهما، ولا يغفُلَ عنهُما (٢).

وذهبَ بعضُهم إلى أَنَّه ليسَ على التكْرارِ، فلا يجبُ في العُمُرِ أكثرَ من مَرَةٍ (٣).

وكِلا القَوْلَين إمَّا تفريطٌ، أو إفراطٌ؛ فإنَّ الله سبحانَهُ لم يوجِبْ على عِباده ذِكْرَهُ إِلَّا في خَمسَةِ أوقاتٍ، فقالَ سبحانَهُ وتَعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: ٧٨]، وقال تبارَكَ وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب: ٤١، ٤٢]، وقالَ تبارَكَ وتَعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: ١٧، ١٨]، وقال تَعالى يذكر نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - مِنَّةً عليه: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: ٤]،


(١) لم أر من نسب هذا القول لأبي إسحاق، غير أنه نسب إلى جماعة من الشافعية كالحليمي، وجماعة من الحنفية كالطحاوي، وكاللخمي من المالكية، وابن بطة من الحنابلة، انظر: "فتح الباري" لابن حجر (١١/ ١٥٣)، و"حاشية رد المحتار" لابن عابدين (١/ ٥١٦)، و"إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد (٢/ ٧٣).
(٢) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (١١/ ١٥٣).
(٣) وجوبها في العمر مرة هو قول الأكثرين ومنهم الكرخي، انظر: "إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد (٢/ ٧٣)، و"الهداية" للمرغيناني (١/ ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>