للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَدَقَكُمْ قال عمرُ: يا رسولَ الله! دَعْني فأضربَ عنقَهُ، قال: "فإنَّه قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدْريكَ لَعَلَّ اللهَ اطلَعَ على أهلِ بَدْرٍ فَقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لكُمْ" (١).

قال عَمْرو: نزلتْ فيه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: ١] , قال: لا أَدري الآيةُ في الحَديثِ (٢)، أو في قولِ عُمرو.

إذا علمتَ هذا، فنقول: حَرَّمَ اللهُ سبحانَهُ في هذه الآيةِ على المؤمنين أن يُوالوا المشركينَ بالمودةِ، وأن يَدُلُّوهُمْ على عورَةِ المسلمين، وأَنْ يُحَذروهم من كَيْدهِم، وجعلَ ذلكَ ضَلالا عنْ سواءِ السبيلِ، فقالَ تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (١)} [الممتحنة: ١] وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩)} [الممتحنة: ٩] وقال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: ٢٢] وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: ٥١].

فإن قلتَ: فلمَ لمْ يخرجْ بذلك حاطِبٌ -رضيَ اللهُ تَعالى عنه - عن الإيمان؟

قلتُ: لأنه فَعَلَ هذا بِجَهالَةٍ وتأويلٍ، وادَّعى بقاءَهُ على الإيمان، فَصَدَّقَهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولأنَّ اللهَ سبحانَهُ لعله قد غفرَ لأهلِ بدرٍ ما مَضى، وما يُستقبلُ من الذنوبِ، وحاطبٌ -رضيَ اللهُ تعالى عنه - قد شَهِدَ بَدْرًا، والغفرانُ يستلزمُ الإيمانَ؛ فإنَّ اللهَ لا يغفرُ أن يُشْرَكَ به.


(١) رواه البخاري (٢٨٤٥)، كتاب: الجهاد، باب: الجاسوس، ومسلم (٢٤٩٤)، كتاب: "فضائل الصحابة" باب: من فضائل أهل بدر -رضي الله عنهم-.
(٢) القائل هو سفيان بن عيينة أحد رواة الحديث كما في "فتح الباري" (٨/ ٦٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>