للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قَدَّمْتُ جُمَلاً في بيانِ حقيقةِ مُوالاةِ أعداءِ اللهِ -لَعَنَهُم اللهُ سبحانَه-.

* وقد استنبطَ الشافعيُّ -رحمَهُ اللهُ تَعالى- من هذهِ القصةِ أَنَّ الرجلَ إذا كانَ من ذَوي الهَيْئات، فَلِلإمام أن يعفوَ عنه، وإن لم يكنْ منهُم، كانَ للإمامِ عقوبَتُه (١).

* ثم بينَ اللهُ سبحانَه العِلَلَ المُنَفِّرَةَ للقُلوبِ عن موالاةِ المشركينَ، وحَثَّهم على الاقتداءِ بإبراهيمَ عليهِ الصَّلاةُ والسلامُ، {إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} [الممتحنة: ٤]؛ فإنه لا يُقْتَدى بهِ في هذا، فاستثناهُ (٢)، ولعلَّ هذا -واللهُ أعلمُ- كانَ من النبيِّ إبراهيمَ - صلى الله عليه وسلم - قبلَ أن يُعْلِمَهُ اللهُ -تباركَ وتَعالى - أَنَّه لا يغفرُ الشِّرْكَ، أو لأمرٍ علمهُ من أبيهِ كَما قال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: ١١٤] , وقد تبيَّنَ بهذا أن استغفارَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأبي طالبٍ ولعبدِ اللهِ بنِ أبيِّ ابنِ سلولَ إنَّما كانَ قبلَ نزولِ هذهِ الآية.

وهذه السورةُ نزلتْ في قصةِ حاطبِ بنِ أبي بلتعةَ (٣)، وذلك حينَ توجَّه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى مكةَ غازياً غزوةَ الفَتْحِ، ولا شكَّ في أنَّ موتَ عبدِ اللهِ بنِ أبيٍّ قبلَ ذلكَ.

* * *

٢٤٩ - (٢) ثم قالَ اللهُ تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨)} [الممتحنة: ٨].

* رويَ عن الحسنِ أنّها نزلتْ في قومٍ بينَهم وبينَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عهدٌ، وهم


(١) انظر: "الأم" للإمام الشافعي (٤/ ٢٥٠).
(٢) انظر: "تفسير الطبري" (٢٨/ ٦٣)، و"أحكام القرآن" لابن العربي (٤/ ٢٢٧).
(٣) انظر: "تفسير الصنعاني" (٣/ ٢٨٦)، و"تفسير الطبري" (٢٨/ ٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>