للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أولئك العصاة"؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - إنما أفطرَ لَمّا قيلَ لَهُ: شَقَّ على الناسِ الصِّيامُ، وكانتِ المَشَقَّةُ أَفْضَتْ بهمْ إلى حَدِّ الضَّرَرِ، وإذا كانَ الأمرُ كذلكَ، حَرُمَ الصوْمُ، وذمَّهُمْ لمَّا خالفوهُ ورَغبِوا عن سُنَّتِهِ وقَبول رُخْصَتِه، ولهذا لم يُنْقَلْ أنه عَيَّرهُم، أو أمرهم بالقضاءِ والتَّدارُكِ.

- وأمّا قولُ عمرَ -رضي الله عنه-، فقال الشافعيُّ: لا أعرفُه عنه، وإنْ عرفتهُ، فالحجَّةُ ثابتةٌ بما ثبتَ عنْ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (١).

- وأما قولُ ابنِ عباسٍ: يؤخذ بالأحدثِ فالأَحدث، فالظاهرُ أَنَّهُ من قوله، ويحتمل أنْ يقولَهُ من روى عنهُ برأيهِ واجتهادِه، فقد يسمعُ الراوي الشيءَ، فيتأوَّلُه، ولا يسمعُ غيرَه، ولا يمتنعُ على من علم الأمرين أن يقول بهما.

* فإن قلتم: فما الأفضلُ عندَ من يقولُ بالرخصةِ؟

قلت: قالت طائفة: الفِطْرُ في السفرِ أفضلُ، رُوِيَ ذلكَ عنِ ابنِ عُمَرَ وابن عَباسٍ وسعيدِ بنِ المُسَيِّبِ ومُجاهدٍ وقتادَةَ والشَّعْبِيِّ والأوزاعِيِّ وعُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ وأحمدَ وإسحاقَ (٢)، وإيَّاهُ أَختارُ؛ لما فيه من التأسّي والاقتداءِ برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الذي مَنْ خالفَهُ رَغْبَةً عنهُ، استَحقَّ أن يُسَمَّى عاصِياً، وللخروج من الخلاف.

- وذهبَ قومٌ إلى أن الصومَ أفضلُ، رويَ ذلك عنِ ابنِ عباسٍ (٣) ومعاذٍ


(١) انظر: "اختلاف الحديث" للشافعي (ص: ٤٩٣).
(٢) انظر: "تفسير الرازي" (٣/ ٨٤)، و"المغني" لابن قدامة (٤/ ٤٠٧)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (١/ ٢/ ٢٦١).
(٣) في "ب": "أنس" بدل "ابن عباس".

<<  <  ج: ص:  >  >>