للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما ذكر هؤلاءِ من النسخِ بآية (براءة) غيرُ مستقيم، لوجوهٍ:

أحدها: أنَّ قولَ الله سبحانه في سورةِ المائدة: {لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} [المائدة: ٢] يوافق آيةَ البقرة، والمائدة (١) نزلت بعد (براءة) في قولِ أكثر أهل العلم بالقرآن.

وثانيها: أن آيةَ (براءة) تدلُّ على تعظيم الأشهر الحرم، فقال: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥]، وما شأن الشهرِ الحرامِ والبلدِ الحرام إلا واحد.

وثالثها: أن (حَيْثُ) كلمةٌ تدلُّ على المكان، ولكنها عامةٌ في أفراد الأمكنة، فتكونُ على عمومها، وآية البقرة نَصٌّ في النهي عن القتال في مكانٍ مخصوص، وهو المسجدُ الحرام، فيقضى بخصوصها على عموم آية (براءة)، وإن تأخر نزول (براءة) عن سورة البقرة، فلا تعارضَ بين الآيتين، فلا نسخَ، بل كل آية منهما حكمها في حالٍ غيرِ الحالِ الذي فيه حكمُ الآية الأخرى، ويكونُ التقدير: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، إلا أن يكونوا في المسجد الحرام، فلا تقاتلوهم (٢) فيه حتى يقاتلوكم فيه. ألم يرَ هؤلاء إلى صدرِ آية البقرةِ كيفَ يوافقُ لفظُها لفظَ آية (براءة)، ويزيد عليه في التصريح والبيان قوله -سبحانه-: {وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} [البقرة: ١٩١]، ولم يكنْ أولُ الآيةِ مُناقِضًا لآخرها، فلا يجوز أن تكون آيةُ (براءة) ناسخةً لهذه الآية.

- وأما قولُ قتادة، فإن صحَّ له النقلُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها ناسخةٌ له (٣)،


(١) في "ب": "يوافق آية المائدة، والبقرة"، وهو خطأ.
(٢) في "ب": "تقتلوهم".
(٣) في "ب": "لها".

<<  <  ج: ص:  >  >>