للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البقرة، ولما رواه أبو هريرة (١) والفرضُ في أهل الكتابِ ومَنْ دانَ دينهم قبل نُزول الفرقان (٢) أن يقاتَلوا حتى يُسلموا، أو يُعْطوا الجِزْيَةَ؛ لِما ورد في سورة (براءة)، ولحديث ابنِ بريدة.

فإن قلتم: حديثُ ابنِ بريدةَ كانَ قبلَ الفتحِ؛ بدليل قولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ثم ادعُهُمْ إلى التَّحَوُّلِ من دارِهِمْ إلى دار المُهاجرين"، فهل يجوزُ أن يكونَ منسوخًا بحديث أبي هريرة، وأنه لا يقبل منهم إلا الإسلام؛ لكون إسلام أبي هريرة بعد الهجرة؟

قلت: قد أجمع المسلمون على قبول الجزية كما ورد في كتاب الله -سبحانه-، وفي سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وفي عمل الصحابة -رضي الله تعالى عنهم -، فلا يجوز نسخُهُ، ولأنه يؤدي إلى إبطال آية (براءة)، ولا دليل على نسخها.

وأما تأخر إسلام أحد الراويين، فلا يكون دليلًا على النسخ؛ لجواز أن يكونَ رواهُ عمَّن قَدُم إسلامُه، ثم أرسله عنه.

فإن قلتم: فهل يجوز لقائل أن يقولَ: يجوزُ أخذُ الجزيةِ من عبدَةِ الأوثان بحديثِ ابنِ بُريدةَ؛ بدليل أنَّ الذين كانَ يبعثُ إليهمُ السرايا كانوا أهلَ أوثانٍ، لا أهلَ كتابٍ، ويجوزُ أخذُها من أهلِ الكِتاب بآية (براءة)؟

قلت: لا يجوزُ -والله أعلم- القولُ بذلك (٣)؛ لما فيه من إبطالِ قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: ١٩٣] من غير دليل يدُّل على


(١) وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - السالف: "لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله ... " الحديث.
(٢) أي: من اتبع دين النصارى قبل النسخ ونزول القرآن، أو دين اليهود قبل نسخه بالإنجيل، والله أعلم. انظر: "مغني المحتاج" للشربيني (٦/ ٦٣).
(٣) تقدم أن هذا هو قول الإمامين مالك والأوزاعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>