للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجابوا عن ذكرِ المرضِ بأنه يتنوَّعُ إلى مرضٍ مُحْصرٍ، ومرضٍ غيرِ مُحْصِرٍ، وأن المرادَ بالأَمانُ: الأمانُ من المرضِ.

وهذا تكلُّفٌ واعتسافٌ، وقد قدَّمْتُ عن أهلِ اللغةِ ما يَدْفَعُ دعواهُم.

والجوابُ عَمّا ادَّعَوْهُ من اللغةِ سَهْلٌ، فيجوزُ استعمالُ (أفعلَ) في غيرِ بابه مَجازاً للعلاقةِ التي بينَهُما، وهي المنع؛ لأنَّ (فُعِلَ به) إذا أوقع به الفِعْلُ، ويجوز أن يقال: (أُفْعِلَ به) (١)، ويكون معناه أنُه عَرَّضَهُ للفعل، ولم يوقعْه به، ويقال (قَتَله) إذا أوقِع به القتل، و (أَقْتَلَهُ) إذا عَرَّضَهُ للقتل (٢)، فاستعمال أَحْصَرَهُ في العدوِّ الذي عَرَّضَهُ للمنعِ أحسنُ منهُ في حَصر المرض الذي أوقع به المنع.

* إذا تقرر هذا، فإنَّ الله - سبحانه - قد أحلَّ تركَ إتمامِ الحجِّ والعمرةِ لعذرِ إحصار العدوِّ بهذهِ الآية، وبيَّنه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عام الحُدَيبية، وكان مُحْرِماً بعمرةٍ.

والحجُّ في مَعْنى العُمرةِ؛ بدليلِ أنَّ ابنَ عُمَرَ -رضي الله تعالى عنهما - لمّا أحرمَ عامَ الفِتْنَةِ بالعُمرةِ، وقالَ: إن صُدِدْتُ عنِ البيتِ، صنعتُ كما صنعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، ومشى ثم قال: ما أرى شأنَ الحَجِّ والعُمرة إلا واحداً، فَأَهَلَّ بالحَجِّ (٣)، وعلى هذا أجمع أهلُ العلم (٤).


(١) في "أ": "له".
(٢) قال الجصاص في "أحكام القرآن" (١/ ٣٣٤) نقلاً عن المبرد والزجاج: إنما هذا كقولهم: حبسه، إذا جعله في الحبس، وأحبسه؛ أي: عرضه للحبس، وقتله: أوقع به القتل، وأقتله؛ أي: عرضه للقتل، وقبره: دفنه في القبر، وأقبره: عرضه للدفن في القبر، وكذلك حصره وحبسه، وأوقع به الحصر، وأحصره، عرضه للحصر.
(٣) رواه البخاري (١٧١٢، ١٧١٣)، كتاب: الإحصار، باب: المحصر وجزاء الصيد، ومسلم (١٢٣٠)، كتاب: الحج، باب: بيان جواز التحلل بالإحصار وجواز القران. عن ابن عمر.
(٤) وخالف في ذلك ابن سيرين، فقال: لا إحصار في العمرة. انظر: "أحكام =

<<  <  ج: ص:  >  >>