للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عرض عليَّ المصحفَ يوماً، وأنا عنده، حتى بلغ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} قال: يا نافع! هل تدري ما أمرُ هذه الآية؟ إنّا كُنَّا -معشرَ قريشٍ- نَجيءُ النساءَ منْ قِبَل أدبارهنّ، فلما دخلنا المدينةَ، ونكحنا نساءَ الأنصارِ، أردنا منهنَّ ما كنا نريدُ من نسائِنا، فإذا هُنَّ قَدْ كَرِهْنَ ذلك، وأَعْظَمْنَهُ، وكان نساءُ الأنصارُ يُؤْتينَ على جُنوبِهِنَّ، فأنزل اللهُ سبحانه: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ} الآية (١).

والقولُ بهذا أيضًا باطلٌ؛ لأنه قد دلَّ الدليل على حَمْل هذا اللفظِ على أحدِ مَعْنَييه، فلا يجوز العُدول عنه (٢).

فإن قلتم: فقد ذهبَ الشافعي، والمالكيَّةُ، وجماعةٌ من الأصوليين إلى حمل المشترك على معانيه (٣)، بل قال الشافعيُّ: يجب حملُه كالعموم، والعبرةُ بعمومِ اللفظ لا بخصوصِ السببِ.

قلنا: إنما يحمل على معانيه حيث لا قرينةَ تدلُّ على أن المرادَ أحدُهما، والقرينةُ دالةٌ عليه من وجوه:

أحدها: السببُ الذي ذكرناه قرينةً في إرادةِ أحدِ المعنيين وصرفِه عن المعنى الآخر.


(١) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (٨٩٧٨)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٣/ ٤٢)، وابن حزم في "المحلى" (١٠/ ٦٩).
(٢) انظر الأدلة التي استدل بها العلماء على منع إتيان النساء في الأدبار في: "معالم التنزيل" للبغوي (١/ ٢٩٢)، و"تفسير الرازي" (٣/ ٢/ ٧٧)، و"زاد المسير" لابن الجوزي (١/ ٢٢٦)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٢/ ١/ ٩٠). وانظر: "المغني" لابن قدامة (١٠/ ٢٢٧)، و"مجموع الفتاوى" لابن تيمية (٣٢/ ٢٦٥)، و"زاد المعاد" لابن القيم (٤/ ٢٥٦)، و"تفسير ابن كثير" (١/ ٤٦٥)، و"فتح الباري" لابن حجر (٨/ ٢٤٢).
(٣) تقدم ذكر مسألة حمل المشترك على معانيه في مقدمة الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>