للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: ذلك خِلافُ المفهومِ من الخِطاب؛ فإنّ اللهَ سبحانه وتَعالى يقول: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ} [البقرة: ٢٢٧]، ومفهومهُ أنَّ منْ لم يعزم الطلاقَ في المدة، بل كان عزمه الفيئة إلى انقضاءِ المدَّةِ أن يخالف حكمُه حكمَ العازمِ على الطَّلاق إذا لم يُطَلِّقْ بلسانه، ولم يعزمْ عليه (١)، وأبو حنيفة لا يفرِّق بينهما، فدلَّ على أن المراد بالفيئة عزيمةُ الطلاقِ بعدَ مُضِيِّ المدة، لكنَّ مفهومَ الخِطابِ عندَهُ ليسَ بِحُجَّةٍ.

والوجه الثالث: من وُجوهِ الدلالة أن الفاءَ تكون جواباً للشرط، وما هو في معنى الشرط، وفي هذه الآية معنى الشرط.

فكأنه قيل لمَنْ آلى من امرأتِه: يتربَّصُ أربعةَ أَشهرٍ، فإن فاءَ، فإنّ اللهَ غفور رحيم، وإن عَزَمَ الطلاقَ، فإن اللهَ سميعٌ عليمٌ.

فَفُهِمَ من هذا أنَّ مرادَ المتكلم ترتيبُ الفيئة والعزيمة على ذلك، كما يترتَّبُ الجزاءُ على الشرطِ.

ولو لم تدخلِ الفاءُ في الجوابِ، لاسْتَوى الاحتمالان، فلما دخلتْ، كان هذا هو الظاهر.

فإن ادَّعى الحنفيةُ الإضمارَ، وقالوا: التقديرُ: (فإن فاء فيها)، أي: في المدة.

قلنا: تركُ الإضمار خيرٌ من الإضمار، إلَّا أن يَدُلَّ الدليلُ على وجوبِ الإضمار، فيضمر، ولا دلالةَ هنا.

الوجه الرابع: أضافَ اللهُ -سبحانَهُ- إرادة الطلاق إلى الزَّوْجِ، وقد أجمعتِ الناسُ على أنَّ صريحَ الطلاقِ ثلاثة، وليسَ انقضاءُ المُدَّةِ واحداً من الثلاثة، ولهذا كانتْ عائشةُ -رضي الله تعالى عنها- إذا ذُكر لها الرجلُ


(١) "عليه" ليس في "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>