للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- في رواية عطاء: كان الرجلُ إذا حضرته الوفاةُ، قعدَ عنده أصحابُ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: انظر لنفسك؛ فإن ولدك لا يغنون عنك من الله شيئًا، فيقدم جُلَّ ماله، ويحجُبُ ولدَه، وهذا قبل أن تكونَ الوصيةُ في الثلث، فكرهَ اللهُ ذلك منهم، فأنزل: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا} (١).

فإن قلتم: إذا كان الخطابُ مع حاضري الموصي، والنهيُ لهم، فمقتضى هذا أن الموصيَ إذا جاوزَ الثلثَ بوصيته لا إثم عليه؛ لأن النهي لم يواجهه، وإن وصيته صحيحة؛ إذ لو لم يصحَّ لما حذر الحاضرين من ذلك.

قلنا: إذا فعل ذلكَ، فهو مأثومٌ، ووصيتُه غيرُ صحيحة؛ لبيان النبي -صلى الله عليه وسلم-.

روينا في "الصحيحين" عن سعد بن أبي وَقّاصٍ قال: جاءني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يعودُني عامَ حجةِ الوداع من وَجَعٍ (٢) اشتدَّ بي، فقلت: يا رسول الله! قد بلغَ بي من الوجَعِ ما ترى، وأنا ذو مالٍ، ولا يرثنُي إلا ابنةٌ، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: "لا" قلت: فالشطر يا رسول الله؟ فقال (٣): "لا"، قلت: فالثلث؟ قال: "الثُّلُثُ، والثلُثُ كثير، إنكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِياءَ خير مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عاَلة يَتكفَّفُونَ النَّاسَ" (٤).


= (١/ ٤٢٩)، و"زاد المسير" لابن الجوزي (٢/ ٨٩)، و"أحكام القرآن" للجصاص (٢/ ٣٧٠)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٣/ ١/ ٤٦).
(١) رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (٤/ ٢٦٩)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٣/ ٨٧٦ - ٨٧٧)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٦/ ٢٨٠).
(٢) في "ب": "ألم".
(٣) في "ب": "قال".
(٤) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>