للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان (١) إذا سجدَ غَمَزَني، وإذا قامَ مددتُ رِجلي (٢)، والأصلُ عدمُ الحائلِ بينَ كَفِّهِ وبَشَرَتِها، والظاهرُ أيضاً ملامَسَةُ كَفِّهِ لبشرتِها؛ إذ كانت بيوتُهم حينئذٍ لا مصابيحَ لها (٣)، ولا سيَّما في حالِ التَّهَجُّدِ، والله أعلم.

* ثم أمر الله بقَصْدِ الصعيد الطَّيِّبِ، وقَيَّدَ الأمرَ به.

وقد اختلفتْ عباراتُ أهل اللغةِ في الصَّعيد (٤)، فقال أبو عُبيدٍ والفَرَّاءُ: الصعيدُ: الترابُ. وقال ابنُ الأعرابيِّ: الصعيدُ: الأرضُ بعينها. وقال الخليلُ والزَّجّاجُ وثَعْلَبٌ: الصعيدُ: وَجْهُ الأرضِ؛ لقوله تعالى {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: ٤٠].

* وكذلك اختلفَ الفُقهاء أيضاً: فذهبَ الشافعيُّ إلى أنه لا يجوز إلا بالترابِ الخالِصِ الذي له غُبار (٥)؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "جُعِلَتْ لنَا الأَرْضُ مَسْجِداً، وجُعِلَتْ لنا تُرْبَتُها طَهوراً" (٦)، فنزل من عمومِ الأرضِ إلى خُصوصِ تربتها، ولقولِ ابنِ عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما - في تفسيره: "فتعمدوا الأرضَ وتربتَها"، ولأنَّ الله سبحانه وصفَهُ بالطَّيِّبِ، والطَّيِّبُ: الخِالصُ الذي هو ترابُ الحَرْثِ؛ استدلالاً بقوله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} [الأعراف: ٥٨].


(١) في "ب": "وكان".
(٢) تقدم تخريجه قريباً.
(٣) في "أ": "بها".
(٤) انظر أقوال أهل اللغة في معنى الصعيد في: "لسان العرب" (٣/ ٢٥٤) مادة (صعد).
(٥) انظر: "الأم" للشافعي (١/ ٥٠)، و "الحاوي الكبير" للماوردي (١/ ٢٣٧).
(٦) رواه مسلم (٥٢٢)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، في أوله، عن حذيفة بن اليمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>