للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقط، وأنهم لا يُقْبل إسلامُهم إلا مع الهجرة؛ ولا يُقبل بدون الهجرة؛ لأن الله سبحانه نَهى عن مُوالاتهم حتى يهاجروا في سبيل اللهِ، وأمرَ بقتلهم عندَ امتناعهم عن الهجرة.

ويدل على هذا الظاهرِ قولُه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: ٩٧]، فلم يعاتبهمُ الله إلا على تَرْكِ الهجرةِ، وجَعَلَها سبباً لمأواهم جهنمَ.

ويدلُّ عليهِ قولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، في حديثِ سعدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ المخرَّجِ في "الصحيحين": أنه لما مرضَ بمكَّةَ، عادَهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وقال: "اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحابي هِجْرَتَهُمْ ولا تَرُدَّهُمْ على أَعْقابِهِمْ" (١).

قلنا: لأجلِ هذهِ الظواهرِ قال الواحديُّ والبَغَوِيُّ من الشافعيةِ في "تفسيريهما": لم يكنِ الله ليقبلَ بعدَ هجرةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إسلاماً إلا بهجرة، ثم زادَ البغويُّ فقال: ثم نُسِخَ ذلكَ بعدَ الفتح، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ" (٢) (٣).

والذي قالاه غير صحيح؛ لما قدمته من دلالة قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [الأنفال: ٧٢].

وموضعُ الدلالةِ أنَّ الله سبحانه سَمّاهم مؤمنين، وأمرَ بِنُصْرتهم، ولا يأمرُ إلا بنصرةِ مؤمنِ، وأما المرتَدُّ، فلا تجوزُ نُصرته بحالٍ.


(١) رواه البخاري (١٢٣٣)، كتاب: الجنائز، باب: رثى النبي - صلى الله عليه وسلم - سعد بن خولة، ومسلم (١٦٢٨)، كتاب الوصية، باب: الوصية بالثلث.
(٢) انظر: "معالم التنزيل" للبغوي (١/ ٥٨٤).
(٣) انظر: "معالم التنزيل" للبغوي (١/ ٤٦٩)، و"تفسير الواحدي" (١/ ٢٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>