للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: فالمرادُ به المستضعفون غيرُ المستطيعين، فيكونُ عامًّا مَخْصوصاً بالمستضعفين؛ بدلالةِ هذه الآيات والظواهرِ.

قلنا: نصرةُ المستضعفينَ واجبة على كلِّ قومٍ، سواءٌ كان بينَنا وبينَهُم ميثاقٌ، أم لا؛ لأن لهم حكمَ المؤمنين؛ لكمال إيمانهم؛ لأنهم معذورون، وأما غيرُ المستضعفين، فغير معذورين، فوجبتْ نصرتُهم على الحَرْبِيِّ؛ لإيمانهم، ولا تجب نُصرتُهم على المعاهَدِ؛ لنُقصان إيمانِهم.

وأما الجوابُ عن الظواهرِ، فهو أن الهجرةَ كانت عُنواناً للإيمان، وميزاناً للإسلامِ في زمنِ النبِّي - صلى الله عليه وسلم -، يتبينُ فيها المؤمنُ من المنافقِ:

فمنافقُ مكة تبينَ بتركِ المهاجَرَةِ من مكةَ إلى المدينة، وإذا أخبرَ اللهُ نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - بكفرِه، فهو كافرٌ.

ومنافقُ المدينةِ يتبينُ بتركِ المُجاهدةِ في سبيلِ الله -سبحانه- مع رسوله، قال الله سبحانه: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: ٩٠]، فسماهم كَفَرَةَ.

وكان الفرقُ بينهم أن منافقَ دارِ الحربِ تجري عليه أحكامُ المحاربين منَ القتلِ والأسرِ والاسترقاق، ومنافقَ دارِ الإسلام يُعْصَمُ دمُه ومالُه وولدُه بالإسلام، وتجري عليه أحكامُ المسلمين.

وأما إذا لم يُهاجِرْ من مكةَ إلى المدينة، ولم يخبر اللهُ سبحانه بردَّتِهِ وكفرِه، فإنه باقٍ على إيمانِه (١).


(١) ذكر العلماء في حكم الهجرة من دار الحرب ثلاث حالات:
الأولى: الوجوب لمن قدر عليها ولا يمكنه إقامة دينه.
الثاني: من لا يقدر على الهجرة لمرض أو إكراه أو ضعف، فهذا لا هجرة عليه. =

<<  <  ج: ص:  >  >>