للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النساء، ويجوزُ تقييدها بها، وإن كانتْ متقدمةً في النزول عليها (١).

ولهذا قال مجاهدٌ: فجزاؤه جهنمُ خالداً فيها، إلا أن يتوبَ، لكن قولَهُ يقتضي أنه إذا لم يتبْ كان خالداً في النار، وليسَ الأمرُ كذلك عندَ أهلِ السنةِ (٢).

والأولى أن يقيدَ إطلاقُها بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ١١٦]؛ فإنه سبحانه لم يقيدْ غفرانَه بالتوبة، وإنما قَيَّدَهُ بمشيئته سبحانه، ويكون المعنى: (فجزاؤه جهنم خالداً فيها إنْ جازاه، إلا أن يغفر اللهُ له)، فتعين حَمْلُ الآية على ما أَوَّلَها به السلفُ الصالحُ - رضي الله تعالى عنهم (٣) -.

فإن قال قائل: فهلا خَصَصْتُمْ عمومَ قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} بقوله تعالى: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}، ويكون المعنى: ويغفرُ ما دونَ ذلك لمن يشاء، إلا أن يكونَ قاتلاً متعمِّداً؛ فإنه لا يَغْفِرُ له، وتكون آيةُ القتلِ بياناً منه سبحانه أنه لم يشأ المغفرة له.

قلنا: إنما قيدنا آيهَ القتل بآية المغفرة؛ لوجوه دلَّت على ذلك:

أحدها: قوةُ دلالتها وبُعْدُها من التأويل؛ فإنها جمعتْ في دَلالتها بين


(١) وليس التقييد مختص بآية الفرقان، فقبول التوبة من العمومات المعلومة في الدَّين، والآيات في ذلك كثيرة كقوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} وكذلك أحاديث قبول التوبة المطلقة كثيرة، ويؤيده حديث قبول توبة قاتل المئة نفس. انظر: "تفسير القرطبي" (٥/ ٣٣٤)، و"تفسير ابن كثير" (٣/ ٣٢٨).
(٢) انظر: "تفسير ابن كثير" (٣/ ٣٢٨).
(٣) انظر: "تفسير الثعلبي" (٣/ ٢٩٧)، و"شرح صحيح البخاري" لابن بطال (٨/ ٤٩٣)، و"الاعتقاد" للبيهقي (ص: ١٨٩)، و"شرح السنة" للبغوي (١/ ٩٢)، و"الاعتصام" للشاطبي (٢/ ٢٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>