الجواب عنهما واضحا مبسوطا، وأنه لا دلالة لواحد منهما على خلافة على لا نصا ولا إشارة، وإلا لزم نسبة جميع الصحابة إلى الخطأ وهو باطل لعصمتهم من أن يجتمعوا على ضلالة، فإجماعهم على خلاف ما زعمه أولئك المبتدعة الجهال قاطع بأن ما توهموه من هذين الحديثين غير مراد. أن لو فرض احتمالهم لما قالوه فكيف وهما لا يحتملانه كما يأتي. فظهر أن ما سودوا به أوراقهم من تلك الآحاد لا تدل لما زعموه، واحتمال أن ثم نصا غير ما زعموه يعلمه على أو أحد المهاجرين أو الأنصار باطل أيضا.
وإلا لأورده العالم به يوم السقيفة حين تكلموا في الخلافة أو فيما بعده لوجوب إيراده حينئذ.
وقولهم: ترك على إيراده مع علمه تقية باطل إذ لا خوف يتوهمه من له أدنى مسكة وإحاطة بعلم أحوالهم في مجرد ذكره لهم ومنازعته في الإمامة به كيف وقد نازع من هو أضعف منه وأقل شوكة ومنعة من غير أن يقيم دليلا على ما يقوله ومع ذلك فلم يؤذ بكلمة فضلا عن أن يقتل. فبان بطلان هذه التقية المشؤومة عليهم سيما وعلى قد علم بواقعة الحباب وبعدم إيذائه بقول أو فعل مع أن دعواه لا دليل عليها، ومع ضعفه وضعف قومه بالنسبه لعلى وقومه، وأيضا فيمتنع عادة من مثلهم أنه يذكره لهم ولا يرجعون إليه كيف وهم أطوع الله وأعمالهم بالوقوف عند حدوده وأبعد عن اتباع حظوظ النفس لعصمتهم السابقة وللخبر الصحيح: خير القرون قرنى، ثم الذين يلونهم. وأيضا ففيهم العشرة المبشرون بالجنة. ومنهم أبو عبيدة أمين هذه الأمة كما صح من طرق، فلا يتوهم فيهم وهم بهذه الأوصاف الجليلة أنهم يتركون العمل بما يرويه لهم من تقبل روايته بلا دليل أرجح يعولون عليه. معاذ الله أن يجوز ذلك عليهم شرعا أو عادة إذ هو خيانة في الدين وإلا لارتفع الأمان في كل ما نقوله عنه من القرآن والأحكام. ولم يجزم بشئ من أمور الدين مع أنه بجميع أصوله وفروعه إنما أخذ منهم، على أن في نسبة على إلى الكتم غاية نقص له لما يلزم عليه من نسبته، وهو أشجع الناس، إلى الجبن والظلم. ولهذا التوهم كفره بعض الملحدين كما يأتي فعلم مما تقرر