للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فنقول: من المعلوم المتواتر عند الخاصة والعامة، الذي لم يختلف فيه أهل العلم بالمنقولات والسير: أن أبا بكر رضي الله عنه لم يطلب الخلافة: لا برغبة ولا برهبة، لا بذل فيها ما يرغّب الناس به، ولا شهر عليهم سيفاً يرهبهم به، ولا كانت له قبيلة ولا موالٍ تنصره وتقيمه في ذلك، كما جرت عادة الملوك أن أقاربهم ومواليهم يعاونونهم، ولا طلبها أيضا بلسانه، ولا قال: بايعونى، بل أمر بمبايعة عمر وأبى عبيدة، ومن تخلف عن بيعته كسعد بن عبادة لم يؤذه، ولا أكرهه على المبايعة، ولا منعه حقا له، ولا حرك عليهم ساكنا. وهذا غاية في عدم إكراه الناس على المبايعة. .

ثم إن المسلمين بايعوه ودخلوا في طاعته، والذين بايعوه هم الذين بايعوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت الشجرة، وهم السابقون الأّولون من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، رضي الله عنهم ورضوا عنه، وهم أهل الإيمان والهجرة والجهاد، ولم يتخلف عن بيعته إلا سعد بن عبادة.

وأما علىّ وسائر بنى هاشم فلا خلاف بين الناس أنهم بايعوه، لكن تخلف من كان يريد الإمرة لنفسه، رضي الله عنهم أجمعين. ثم إنه في مدة ولايته قاتل بهم المرتدين والمشركين، لم يقاتل مسلمين، بل أعاد الأمر إلى ما كان عليه قبل الردة، وأخذ يزيد الإسلام فتوحا، وشرع في قتال فارس والروم، ومات والمسلمون محاصرو دمشق، وخرج منها أزهد مما دخل فيها: لم يستأثر عنهم بشئ، ولا أمّر له قرابة.

ثم وَلِىَ عمر بن الخطاب، ففتح الأمصار، وقهر الكفّار، وأعزّ أهل الإيمان، وأذلّ أهل النفاق والعدوان، ونشر الإسلام والدين، وبسط العدل في العالمين، ووضع ديوان الخراج والعطاء لأهل الدين، ومصَّر الأمصار للمسلمين، وخرج منها أزهد مما دخل فيها: لم يتلوث لهم بمال، ولا ولَّى أحداً من أقاربه ولاية، فهذا أمر يعرفه كل أحد.

<<  <   >  >>