للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما عثمان فإنه بنى على أمر قد استقرّ قبله بسكينة وحلٍ، وهدى ورحمة وكرم، ولم يكن فيه قوة عمر ولا سياسته، ولا فيه كمال عدله وزهده، فطُمع فيه بعض الطمع، وتوسّعوا في الدنيا، وأدخل من أقاربه في الولاية والمال، ودخلت بسبب أقاربه في الولايات والأموال أمور أنكرت عليه، فتولد من رغبة بعض الناس في الدنيا، وضعف خوفهم من الله ومنه، ومن ضعفه هو، وما حصل من أقاربه في الولاية والمال ـ ما أوجب الفتنة، حتى قُتل مظلوما شهيداً.

وتولىّ علىُّ علَىَ إثر ذلك، والفتنة قائمة، وهو عند كثير منهم متلطّخ بدم عثمان، والله يعلم براءته مما نسبه إليه الكاذبون عليه، المبغضون له، كما نعلم براءته مما نسبه إليه الغالون فيه، المبغضون لغيره من الصحابة؛ فإن علياّ لم يُعِن على قتل عثمان ولا رضى به، كما ثبت عنه ـ وهو الصادق ـ أنه قال ذلك، فلم تصف له قلوب كثير منهم، ولا أمكنه هو قهرهم حتى يطيعوه، ولا اقتضى رأيه أن يكف عن القتال حتى ينظر ما يؤول إليه الأمر، بل اقتضى رأيه القتال، وظن أنه به تحصل الطاعة والجماعة، فما زاد الأمر إلا شدة، وجانبه إلا ضعفا، وجانب من حاربه إلا قوة، والأمة إلا افتراقاً، حتى كان في آخر أمره يطلب هو أن يكف عنه من قاتله، كما كان في أول الأمر يُطلب منه الكفّ.

وضعفت خلافة (النبوة) ضعفاً أوجب أن تصير ملكا، فأقامها معاوية ملكا برحمة وحلم، كما في الحديث المأثور: " تكون نبوّة ورحمة، ثم تكون خلافة نبوة ورحمة، ثم يكون ملك ورحمة، ثم يكون ملك " ولم يتول أحد من الملوك خيرا من معاوية، فهو خير ملوك الإسلام، وسيرته خير من سيرة سائر الملوك بعده، وعلى آخر الخلفاء الراشدين، الذين هم ولايتهم خلافة نبوة ورحمة، وكل من الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم يشهد له بأنه من أفضل أولياء الله المتقين، بل هؤلاء الأربعة أفضل خلق الله بعد النبيين، لكن إذا جاء القادح فقال في أبى بكر وعمر: إنهما كانا ظالمين متعديين طالبين للرئاسة مانعين للحقوق، وإنهما كانا من أحرص الناس على الرئاسة، وإنهما ـ ومن أعانهما ـ ظلموا الخليفة المستحق

<<  <   >  >>