ولهذا كان الذين ادّعَوْا هذا لعلىّ أحالوا على ما لم يُعرف، وقالوا: ثَمَّ نص على خلافته كُتم، وثَمَّ عداوة باطنة لم تظهر، بسببها مُنع حقه.
ونحن الآن مقصودنا أن نذكر ما عُلم وتيقن وتواتر عن العامة والخاصة، وأما ما يذكر من منقول يدفعه جمهور الناس، ومن ظنون سوء لا يقوم عليها دليل بل نعلم فسادها، فالمحتج بذلك ممن يتبع الظن وما تهوى الأنفس، وهو من جنس الكفار وأهل الباطل، وهى مقابلة بالأحاديث من الطرق الأخر.
ونحن لم نحتج بالأخبار التي رُويت من الطرفين، فكيف بالظن الذي لا يُغنى من الحق شيئا؟ !
فالمعلوم المتيقَّن المتواتر عند العام والخاص أن أبا بكر كان أبعد عن إرادة العلو والفساد من عمر وعثمان وعلىّ فضلا عن علىّ وحده، وأنه كان أولى بإرادة وجه الله تعالى وصلاح المسلمين من الثلاثة بعده، فضلا عن على، وأنه كان أكمل عقلا ودينا وسياسة من الثلاثة، وأن ولايته الأمة خير من ولاية على، وأن منفعته للمسلمين في دينهم ودنياهم أعظم من منفعة على، رضي الله عنهم.
وإذا كنا نعتقد أنه كان مجتهدا مريدا وجه الله بما فعل، وأن ما تركه من المصلحة كان عاجزاً عنه، وما حصل من المفسدة كان عاجزا عن دفعه، وأنه لم يكن مريداً للعلوّ في الأرض ولا الفساد ـ كان هذا الاعتقاد بأبى بكر وعمر أولى وأخلق وأحرى.
فهذا وجه لا يقدر أحد أن يعارضه إلا بما يظن أنه نقل خاص، كالنقل لفضائل على، ولما يقتضى أنه أولى بالإمامة، أو أن إمامته منصوص ... عليها. وحينئذ فيعارض هذا بنقل الخاصة ـ الذين هم أصدق وأكثر ـ لفضائل الصديق التي تقضى أنه أولى بالإمامة، وأن النصوص إنما دلت عليه.
فما من حجة يسلكها الشيعي إلا وبإزائها للسنى حجة من جنسها أولى منها؛ فإن السنة في الإسلام كالإسلام في الملل، فما من حجة يسلكها كتابى إلا وللمسلم فيها ما هو أحق بالاتباع منها.