قال تعالى:" وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا " ... (سورة الفرقان: ٣٣) لكن صاحب الهوى الذي له غرض في جهة، إذا وجه له المخالف لهواه ثقل عليه سمعه واتباعه.
وهنا طريق آخر. وهو أن يُقال: دواعى المسلمين بعد موت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت متوجهة إلى اتباع الحق، وليس لهم ما يصرفهم عنه، وهم قادرون على ذلك، فإذا حصل الداعى إلى الحق، وانتفى الصارف مع القدرة، وجب الفعل.
فعُلم أن المسلمين اتّبعوا فيما فعلوه الحق. وذلك أنهم خير الأمم، وقد أكمل الله لهم الدين، وأتم عليهم النعمة. ولم يكن عند الصديق غرض دنيوى يقدّمونه لأجله، ولا عند علىّ غرض دنيوى يؤخرونه لأجله، بل لو فعلوا بموجب الطبع لقدَّموا علياً. وكانت الأنصار لو اتبعت الهوى أن تتّبع رجلا من بنى هاشم أحب إليها من أن تتبع رجلا من بنى تيم. وكذلك عامة قبائل قريش، لا سيما بنو عبد مناف وبنو مخزوم؛ فإن طاعتهم لمنافى كانت أحب إليهم من طاعة تيمى لو اتبعوا الهوى. وكان أبو سفيان بن حرب وأمثاله يختارون تقدم علىّ.
وقد روى أن أبا سفيان طلب من علىّ أن يتولى لأجل القرابة التي بينهما. وقد قال أبو قحافة، لما قيل له أن ابنك تولى، قال:" أو رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو مخزوم؟ " قالوا: نعم. فعجب من ذلك، لعلمه بأن بنى تيم كانوا من أضعف القبائل، وأن أشراف قريش كانت من تلك القبيلتين.
وهذا وأمثاله مما إذا تدبره العاقل علم أنهم لم يقدموا أبا بكر إلا لتقديم الله ورسوله، لأنه كان خيرهم وسيدهم وأحبهم إلى الله؛ فإن الإسلام إنما يقدم بالتقوى لا بالنسب، وأبو بكر كان أتقاهم.