وهنا طريق آخر، وهو أنه تواتر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن خير هذه الأمة القرن الأول ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وهذه الأمة خير الأمم كما دل عليه الكتاب والسنة.
وأيضا فإنه من تأمّل أحوال المسلمين في خلافة بنى أمية، فضلا عن زمن الخلفاء الراشدين، علم أن أهل ذلك الزمان كانوا خيراً وأفضل من أهل هذا الزمان، وأن الإسلام كان في زمنهم أقوى وأظهر. فإن كان القرن الأول قد جحدوا حق الإمام المنصوص عليه المولى عليهم، ومنعوا أهل بيت نبيهم ميراثهم، وولوا فاسقا وظالما، ومنعوا عادلا عالما، مع علمهم بالحق، فهؤلاء من شر الخلق، وهذه الأمة شر الأمم، لأن هذا فعل خيارها، فكيف بفعل شرارها؟ !
وهنا طريق آخر. وهو أنه قد عُرف بالتواتر، الذي لا يخفى على العامة والخاصة، أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كان لهم بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اختصاص عظيم، وكانوا من أعظم الناس اختصاصاً به، وصحبة له، وقربا إليه، واتصالا به، وقد صاهرهم كلهم، وما عُرف عنه أنه كان يذمهم ولا يلعنهم، بل المعروف عنه أنه كان يحبهم ويثنى عليهم.
وحينئذ: فإما أن يكونوا على الاستقامة ظاهرا وباطنا، في حياته وبعد موته. وإما أن يكونوا بخلاف ذلك، في حياته أوبعد موته. فإن كانوا على غير الاستقامة، مع هذا التقرب، فأحد الأمرين لازم: إما عدم علمه بأحوالهم، أو مداهنته لهم. وأيهما كان فهو من أعظم القدح في الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قيل:
فإن كنت لا تدرى فتلك مصيبة ... وإن كنت تدر فالمصيبة أعظم
وإن كانوا انحرفوا بعد الاستقامة فهذا خذلان من الله للرسول في خواص أمته وأكابر أصحابه. ومن قد أخبر بما سيكون بعد ذلك، أين كان عن علم ذلك؟ وأين الاحتياط للأمة حتى لا يولّى مثل هذا أمرها؟ ومن وعد أن يظهر دينه على الدين كله، فكيف يكون أكابر خواصه مرتدين؟ فهذا ونحوه من أعظم ما يقدح به الرافضة في الرسول، كما قال مالك وغيره: إنما أراد هؤلاء الرافضة الطعن في