فضلوا مع السوابق الحميدة والفضائل العديدة، بما جرى في خلافتهم من الجهاد في سبيل الله، وإنفاق كنوز كسرى وقيصر، وغير ذلك من الحوادث المشكورة، والأعمال المبرورة.
وكان أبو بكر وعمر أفضل سيرة وأشرف سريرة من عثمان وعلى رضي الله عنهم أجمعين. فلهذا كانا أبعد عن الملام وأولى بالثناء العام، حتى لم يقع في زمنهما شئ من الفتن؛ فلم يكن للخوارج في زمنهما لا قول مأثور ولا سيف مشهور، بل كان كل سيوف المسلمين مسلولة على الكفار، وأهل الإيمان في إقبال، وأهل الكفر في إدبار.
ثم إن الرافضة ـ أو أكثرهم ـ لفرط جهلهم وضلالهم يقولون: إنهم ومن اتبعهم كانوا كفارا مرتدين، وإن اليهود والنصارى خير منهم، لأن الكافر الأصلى خير من المرتد. وقد رأيت هذا في عدة من كتبهم، وهذا القول من أعظم الأقوال افتراء على أولياء الله المتقين، وحزب الله المفلحين، وجند الله الغالبين.
ومن الدلائل الدالة على فساده أن يقال: من المعلوم بالاضطرار، والمتواتر من الأخبار، أن المهاجرين هاجروا من مكة وغيرها إلى المدينة، وهاجر طائفة منهم، كعمر وعثمان وجعفر بن أبى طالب، هجرتين: هجرة إلى الحبشة، وهجرة إلى المدينة، وكان الإسلام إذ ذاك قليلا، والكفار مستولون على عامة الأرض، وكانوا يؤذون بمكة ويلقون من أقاربهم وغيرهم من المشركين من الأذى ما لا يعلمه إلا الله، وهم صابرون على الأذى، متجرعون لمرارة البلوى، وفارقوا الأوطان، وهجروا الخلان لمحبة الله ورسوله والجهاد في سبيله، كما وصفهم الله تعالى بقوله: