وهذا كله فعلوه طوعا واختيارا من تلقاء أنفسهم، لم يكرههم عليه مكره، ولا ألجأهم إليه أحد؛ فإنه لم يكن للإسلام إذ ذاك من القوة ما يكره به أحد على الإسلام، وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ ذاك ـ هو ومن اتبعه ـ منهيين عن القتال، مأمورين بالصفح والصبر، فلم يسلم أحد إلا باختياره، ولا هاجر أحد إلا باختياره.
ولهذا قال أحمد بن حنبل وغيره من العلماء: إنه لم يكن من المهاجرين من نافق، وإنما كان النفاق في قبائل الأنصار لما ظهر الإسلام بالمدينة، ودخل فيه قبائل الأوس والخزرج، ولما صار للمسلمين دار يمتنعون بها ويقاتلون دخل في الإسلام من أهل المدينة وممن حولهم من الأعراب من دخل خوفا وتقية، وكانوا منافقين.
ولهذا إنما ذكر النفاق في السور المدنية، وأما السور المكية فلا ذكر فيها للمنافقين، فإن من أسلم قبل الهجرة بمكة لم يكن فيهم منافق، والذين هاجروا لم يكن فيهم منافق، بل كانوا مؤمنين بالله ورسوله، محبين لله ولرسوله، وكان الله ورسوله أحب إليهم من أولادهم وأهلهم وأموالهم.
وإذا كان كذلك علم أن رميهم ـ أو رمى أكثرهم أو بعضهم ـ بالنفاق، كما يقوله من يقوله من الرافضة، من أعظم البهتان، الذي هو نعت الرافضة وإخوانهم من اليهود؛ فإن النفاق كثير ظاهر في الرافضة إخوان اليهود، ولا يوجد في الطوائف أكثر وأظهر نفاقا منه، حتى يوجد فيهم النصيرية والإسماعيلية وأمثالهم، ممن هو من أعظم الطوائف نفاقا وزندقة وعداوة لله ولرسوله.