للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هنا تكون التقية. وهذا الرأى وإن كان غير مقبول أصلاً، إلا أنه يتمشى مع عقيدة الجعفرية.

أما التدرج في بيان الأحكام الذي يعتقده الجعفرية فيوضحه عالمهم المشهور محمد الحسين آل كاشف الغطاء بقوله: " يعتقد الإمامية أن لله بحسب الشريعة الإسلامية من كل واقعة حكما حتى أرش الخدش، وما من عمل من أعمال المكلفين من حركة أو سكون إلا ولله فيه حكم من الأحكام الخمسة: الوجوب، والحرمة، والندب، والكراهة، والإباحة. وما من معاملة على مال، أو عقد نكاح، ونحوها إلا وللشرع فيه حكم صحة أو فساد. وقد أودع الله سبحانه جميع تلك الأحكام عند نبيه خاتم الأنبياء، وعرفها النبي بالوحى من الله أو الإلهام، ثم إنه ـ سلام الله عليه ـ حسب وقوع الحوادث أو حدوث الوقائع أو حصول الابتلاء، وتجدد الآثار والأطوار، بين كثيرا منها للناس، وبالأخص لأصحابه الحافين به، الطائفين كل يوم بعرش حضوره، ليكونوا هم المبلغين لسائر المسلمين في الآفاق {لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (١) وبقيت أحكام كثيرة لم تحصل الدواعى والبواعث لبيانها، إما لعدم الابتلاء بها في عصر النبوة، أو لعدم اقتضاء المصلحة لنشرها.. والحاصل أن حكمة التدرج اقتضت بيان جملة من الأحكام، وكتمان جملة، ولكنه ـ سلام الله عليه ـ أودعها عند أوصيائه، كل وصى يعهد به إلى الآخر لينشره في الوقت المناسب له حسب الحكمة من عام مخصص، أو مطلق مقيد، أو مجمل مبين، إلى أمثال ذلك، فقد يذكر النبي عاماً ويذكر مخصصه بعد برهة من حياته، وقد لا يذكره أصلا، بل يودعه عند وصيه إلى وقته " (٢) .


(١) ١٤٣: سورة البقرة.
(٢) أصل الشيعة وأصولها ص ١٤٥ ـ ١٤٦.

<<  <   >  >>