والطبرى بعد أن ذكر اتفاق أهل التأويل في المراد من الآية الكريمة، ذكر أنهم اختلفوا في السبب الذي من أجله نزلت، فقال بعضهم نزلت بسبب أعرابى كان هُّم بقتل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكفاه الله إياه، وقال آخرون: بل نزلت لأنه كان يخاف قريشاً، فأومن من ذلك، وذكر روايات القائلين بهذين القولين (١) .
أما الحافظ ابن كثير فقد توسع في الحديث عن هذه الآية الكريمة، حيث قال:
" يقول تعالى مخاطباً عبده ورسوله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باسم الرسالة، وآمراً له بإبلاغ جميع ما أرسله الله بذلك به وقد امتثل عليه أفضل الصلاة والسلام ذلك، وقام به أتم القيام، قال البخاري عند تفسير هذه الآية: حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن إسماعيل، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: من حدثك أن محمداً كتم شيئاً مما أنزل الله عليه فقد كذب، وهو يقول:
" يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ " الآية هكذا رواه ههنا مختصراً، وقد أخرجه في مواضع من صحيحه مطولاً، وكذا رواه مسلم في كتاب الإيمان، والتزمذى والنسائى في كتاب التفسير من سننهما، من طرق عن عامر الشعبي، عن مسروق بن الأجدع، عنها رضي الله تعالى عنها. وفى الصحيحين عنها أيضاً أنها قالت: لو كان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كاتماً شيئاً من القرآن لكتم هذه الآية: -
(١) صاحب كتاب الغدير ذكر أن الطبري يرى أن الآية الكريمة نزلت في الغدير كما يذهب الجعفرية (امظر كتابه ١/٢١٤ –٢١٦ –٢٢٣-٢٢٥) وما قاله الطبري يتفق مع أهل التأويل – كما نص هو على هذا – وإن اختلفوا في السبب الذي من أجله نزلت، ومعنى هذا أن أهل التأويل متفقون على صحة ما ذهب إليه الجعفرية لو صح ما ذكره صاحب الغدير! قول غريب نعود إليه في الحديث عن الآية التالية.