الكراهة أو الحرمة من الصيغ الدالة على المنع، ومعرفة علل الأحكام مع أدلتها، وإطلاق الحكم وتقييده حسب العلل، ومعرفة القيود الاحترازية والاتفاقية منها، واستخراج قاعدة جامعة مانعة بالنظر إلى ذلك الإطلاق والتقييد، والاحتراز والاتفاق، واستخراج الأقوال المخرجة، ونقلها من باب إلى باب، وتفريع المسائل الحادثة على الأحكام المذكورة بدرج في العموم بالاقتضاء، والإيماء، والقياس، والالتزام، وأمثاله، وإذا تخالفت الأدلة فيفصل بينها بالتطبيق، والجمع، أو بنسخ أحدهما وترجيح أحدهما" (١).
هاتان الشخصيتان العلميتان - شخصية المحدث، وشخصية الفقيه - اجتمعتا في مالك اجتماعاً شهد له علماء عصره ومن جاء بعدهم بالنبوغ فيهما، وتظل مؤلفاته الحديثية، وفتاواه، والسماعات عنه آثاراً خالدة، وأدلة حية.
وكان لشخصيته العلمية المزدوجة آثارها في دروسه وتلاميذه، فقد كانت مجالسه تلتزم التخصص بمعناه المحرر: فمجلس للفقه والفتاوى، ومجلس للحديث، ولكل مجلس حديثه، ورجاله، ومنهجه، ولذا فقد كان القادمون لمجالسه يُسألون عن العلم الذي
(١) الدهلوي، عبد الوهاب، تسهيل دراية الموطأ بتعريب مقدمة المصفى لولي الله الدهلوي (مقدمة المسوى من أحاديث الموطأ لولي الله الدهلوي ص ٤٤ - ٤٥).