للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مئةٍ تسعة وتسعين" (١) هؤلاء كلهم في النار وواحد في الجنة، إذاً القلة قليلة، واحد من مئة قليل جهداً. قال أبن القيم في النونية:

يا سلعةَ الرحمن ليس ينالُها ... في الألفِ إلاّ واحدٌ لا اثنانِ

إذن نقول: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات من بني آدم قليلون جهداً، ويؤكد القلة قوله: {مَا} في {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} قال المؤلف - رحمه الله -: [{مَا} لتأكيد القلة، فقال الملكان صاعدين في صورتيهما إلى السماء: قضى الرجلُ على نفسه، فتنبَّه داود] الرجل يعني داود، لأنه حسب القصة الإسرائيلية المزعومة أن له تسعاً وتسعين امرأة، فطلب من رجل ليس عنده إلا امرأة واحدة أن يطلق امرأته ليتزوجها داود. وفي وجه آخر للقصة أنه أمره أن يخرج في الجيش من أجل أن يُقْتل حتى يتزوج امرأته. وقد بينا أن هذا لا دليل عليه، وأنه لا يليق بمقام العقلاء فضلاً عن الأنبياء، وأن هذه قصة مزعومة من اليهود، فهم الذين ركبوها على داود عليه السلام، لأن اليهود لا يعتقدون داود نبياً، وإنما هو على زعمهم مَلِك.

قال تعالى: {وَظَنَّ دَاوُودُ} قال المؤلف: [أي: أيقن أنما أوقعناه في فتنة، أي: بلّية بمحبته تلك المرأة] ظن، أي: أيقن، وإنما نفسره باليقين لأن الأمر أمر واقع من داود حسب القصة، والشيء الواقع لا يقال: إنه ظن، بل يقال: إنه علم، فإن قال قائل: هل لديك شاهد على أن الظن يأتي بمعنى العلم؟ قلت: نعم، قال الله تعالى: {وَإِنَّهَا


(١) أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب كيف الحشر (٦٥٢٩).

<<  <   >  >>