لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (٤٥) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة: ٤٥: ٤٦] إيماناً بملاقاة الله عز وجل، بل يجب على الإنسان أن يؤمن إيماناً يقينياً بأنه ملاقٍ ربه، والظن لا يكفي فيه، وإذا كان الظن لا يكفي فلا يمكن أن يكون مدحاً.
[{وَظَنَّ دَاوُودُ} أيقن {أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} قال: أوقعناه في فتنة، أي: بلّية]. هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله بناء على صحة القصة، ولكن الصحيح أن المراد بالفتنة الاختبار، فتناه، أي: اختبرناه، لأن الفتنة من معانيها الاختبار، قال الله تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}[الأنبياء: ٣٥]، أي: اختباراً وابتلاءً، كما قال تعالى عن سليمان:{هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}[النمل: ٤٠] إذاً {أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} أي: اختبرناه، وعلى رأي المؤلف، أي: ابتليناه بمحبة تلك المرأة، ولكن هذا ليس بصحيح. {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} الصحيح أنما اختبرناه، ولكن بأي شيء اختبرناه، لننظر:
أولاً: داود عليه السلام مأمور بأن يحكم بين الناس، فإنما وظيفته عامة، واختصاصه في الوقت بدخوله المحراب، وإغلاق الباب عليه، هذا يخالف مقتضى وظيفته. إذ مقتضى وظيفته أن يتفرغ للناس حتى يقابل الخصوم ويحكم بينهم، هذه واحدة، ولهذا سيأتينا - إن شاء الله - في الفوائد، أنه لا يجوز للحاكم بين الناس، ولمن كان في وظيفة عامة أن يشتغل بشيء خاص لنفسه.