قال المؤلف: [{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا} من أهل مكة] وتقييد المؤلف للذين كفروا بأهل مكة فيه نظر، والأولى الأخذ بالعموم، وسلوك هذه الطريق، أعني أن يُخَصَّ القرآن ببعض أفراد العام ليس بسديد ولا جيد، وذلك لأنه نقص في التفسير، إلا أن يقوم دليل على ذلك، فإذا قام دليل على ذلك وجب الأخذ بالدليل، أما إذا لم يقم دليل على ذلك فالواجب الأخذ بالعموم، لأنه أعمّ وأكثر معنىً، فالذين كفروا من أهل مكة وغيرهم إلى يوم القيامة {فِي عِزَّة} ولكنها ليست عزة غلبة كالعزة التي في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: ٨] وإنما هي عزة أنفه وكبرياء وعناد، ولهذا قال المؤلف: [{فِي عِزَّةٍ} حميةٍ وتكبُّرٍ عن الإيمان] وهذه العزة مذمومة؛ لأنها عزة تمنع صاحبها من قبول الحق. وأما العزة التي هي عزة النصر فهي تأييد لصاحبها. وبينهما فرق كبير.
قوله:{فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} يعني مشاقة، فالشقاق مصدر شاقّ، كقتال مصدر قاتل، والمعنى مشاقة لله ولرسوله. قال الله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[الحشر: ٤] وهنا قال المؤلف: [خلاف وعداوة للنبي - صلى الله عليه وسلم -]، وهذا أيضاً فيه نظر. لأنه خصّ الشقاق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مع أن الكافرين يشاقون الله ورسوله، فهم في أنفة وكبرياء وحمية ومشاقة لله ورسوله. يعني أنهم يجُانبون ما أمر الله به ورسولُه، كأنما يكونون في شِقّ، وما جاء به الوحي في شِقٍّ آخر، وربما يقول قائل: إنهم أيضاً في شقاق فيما بينهم، ولا سيما اليهود، فإن الله تعالى قال:{تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى}[الحشر: ١٤].