نهاه عن اتباع الهوى لقوة الهوى في البشر، فإن الهوى في البشر أمر مفطور عليه، لأنه يندر أن شخصاً يتقدم إليه أبوه مع شخص آخر عدوٍّ له، يندر ألا يكون له هوى، أو يتقدم إليه شخص من أصدقائه الحميمين مع آخر من أعدائه الألداء ثم لا يميل مع الأول، يندر هذا، فلقوة الداعي وهو الهوى نهى الله عنه، وإن كان لا يمكن في حقه.
وقوله تعالى:{فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} فيضلك الفعل هنا مضارع ولكنه منصوب لأنه وقع بعد النهي، والمضارع إذا اقترنت به الفاء - وهذه الفاء تدعى فاء السببية - بعد النهي صار منصوباً بأن مضمرة وجوباً.
وقوله:{فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} أي: يجعلك تضل وتحيد يميناً وشمالاً، وقوله {عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} قال المؤلف- رحمه الله -: [أي: عن الدلائل الدالة على توحيده] وهذا التفسير ضعيف جداً، بل المراد بسبيل الله طريقه الموصل إليه، لأن السبيل في الأصل هو الطريق، وأضيف إلى الله لأن الله هو الذي وضعه، وهو الذي شرعه، ولأن هذا السبيل يؤدي إلى الله، فأضيف إلى الله باعتبار وضعه، وباعتبار نهايته, وإذا قلنا: إن المراد بسبيل الله، أي: طريقه وشرعه، صار أعمّ مما قال المؤلف، وألصق باللفظ، لأن السبيل في اللغة الطريق، وليست الدلائل الدالة على التوحيد، لكن الدلائل الدالة على التوحيد لا شك أن النظر فيها من شريعة الله.
{إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (٢٦)} لم يقل الله: إنك إن تتبع الهوى أو إن تضل عن سبيل