الله فلك عذاب شديد، بل أتى بالجملة الاستئنافية الاستقلالية، أولاً: تفادياً لمخاطبة داود عليه السلام بذلك، وثانياً: ليكون أعم. إذن فيه فائدتان، ولهذا قال الله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣)} [عبس: ١ - ٣] فعبر بالفعل الماضي الدال على الغائب، ولم يقل: عبست وتوليت أن جاءك الأعمى وما يدريك لعله يزكى، بل قال:{عَبَسَ وَتَوَلَّى} تفادياً لمخاطبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمثل هذا الوصف.
وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (٢٦)] قال المؤلف: [{إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} أي: عن الإيمان بالله] وهذا أيضاً فيه نظر، والصحيح أن سبيل الله هنا هو سبيل الله الأول، والمراد به شريعته، لأنها هي الطريق الموصل إليه. {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} الجملة خبر إنَّ، واسمها (الذين) و {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} خبرها، فالجملة هنا خبر لـ"إن"، وكل جملة تقع خبراً فلا بد فيها من رابط يربط بين هذه الجملة وبين المبتدأ، والرابط هنا الضمير في قو له:{لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} وقوله: {شَدِيدٌ} أي: قوي وعظيم، ويدلك على قوته وعظمته ما وصفه الله به في القرآن العظيم من صفات تنزعج لها القلوب، وتتفطر لها الأكباد.
{بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (٢٦)} أي: بسبب نسيانهم يوم الحساب، فالباء هنا للسببية، وما: مصدرية، ولهذا قال المؤلف: [بنسيانهم {يَوْمَ الْحِسَابِ} المرتب عليه تركهم الإيمان، ولو أيقنوا بيوم الحساب لآمنوا في الدنيا] وقوله: {بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (٢٦)} المراد بيوم الحساب